حقًّا، لقد كانت تلك الليالى الأخيرة الحاسمة من ليالى الأحزاب الرهيبة مختبرًا صهر الله (في بوتقة محنها وبلاياها) أمة محمد مرة أخرى ليعلم (وهو الأعلم بعباده) الصادق من الكاذب ويميز الخبيث من الطيب.
وفعلًا لم يثبت مع نبيه في خضم تلك البلايا المتلاحقة والمحن المتحالفة التي أخذ بعضها برقاب بعض، إلا ذوو الإيمان الراسخ رسوخ شوامخ الجبال، والذي لا يزعزعه شيء مهما عظم، حتى إن بعض المؤرخين ذكر أنه لم يبق في الليالى الأخيرة من ليالى الخندق الحاسمة مع النبي القائد - صلى الله عليه وسلم - إلا حوالي ثلاثمائة مقاتل فقط، وماذا عسى أن يفعل ثمائة رجل (ينقصهم كل شيء مادى إلا الإيمان أمام أحد عشر ألف مقاتل يفوقونهم في كل شيء مادى؟ .
[حذيفة يصف ليالي الكرب والشدة]
ولنترك أحد الأعلام من صحابة محمد - صلى الله عليه وسلم - الأوفياء الخلصاء الذين ثبتوا معه في تلك الليالى الرهيبة الحاسمة ليصف لنا ما تعرض له محمد - صلى الله عليه وسلم - والصفوة من أصحابه في الليلة الأخيرة من ليالى الأحزاب المرعبة المخيفة، من محن وبلايا تعجز عن تحمل مثلها الشم الرواسى.
روى الحاكم والبيهقي من حديث عكرمة بن عمار، قال: ذكر حذيفة بن اليمان (١) مشاهدهم مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال جلساؤه (أي حذيفة) ..