وقد أحكم ثوار العيص السيطرة على طريق القوافل بين مكة والشام. وصاروا لا يمر بهم أحد من مشركى قريش فيظفرون به إلا قتلوه. ولا تمر بهم قافلة) غريش إلّا واستولوا عليها. حتى أصيبت تجارة قريش (التي هي عمود حياتها الفقرى) بضربة قاصمة. فانهارت اقتصاديات مكة وتناقصت فيها المواد الغذائية حتى أصبح شبح المجاعة يهدد أهل مكة. نتيجة وقوع أكثر أموالهم المعدة للتجارة في أيدى ثوار العيص المسلمين الذين يقودهم أبناء مكة أنفسهم ضد أهليهم الذين سجنوهم ونكلوا بهم لاتباعهم دين الإِسلام.
[موقف المدينة من ثوار العيص]
ووقفت المدينة موقف الحياد التام من غارات هؤلاء الثوار المسلمين على قوافل قريش. فصلح الحديبية التزم فيه النبي - صلى الله عليه وسلم - بأن لا يئوى أحدًا من أبناء قريش في المدينة بغير إذن أهله. حتى وإن كان مسلمًا. وقد طبق الرسول - صلى الله عليه وسلم - هذا الالتزام نصًّا وروحًا حين أعاد أبا بصير إلى قريش وأسلمه إلى حارسيه العامريين كما تقدم. وحتى عندما تمكن أبو بصير من الإِفلات من حارسيه وقتل أحدهما خارج المدينة. وعاد إليها لم يسمح له النبي - صلى الله عليه وسلم - بالإِقامة فيها. لأن ذلك يخالف روح اتفاقية الحديبية. والرسول - صلى الله عليه وسلم - لا يمكن أن يأتي منه عمل يخدش العهد الذي أعطاه. فضلًا عن أن يأتي منه ما ينقضه.
كذلك فإن الرسول - صلى الله عليه وسلم - ليس مسئولًا عن أية أعمال عسكرية يقوم بها مسلمون من أبناء قريش أنفسهم أو من غيرهم ممن لم يكونوا قد هاجروا واتخذوا المدينة دارًا لهم. وأصبحوا أصحابًا للنبي - صلى الله عليه وسلم -. فالرسول - صلى الله عليه وسلم - إنما أعطى العهد في الحديبية لقريش عن نفسه وعن أصحابه في المدينة. أما أبناء قريش الذين هم قادة الثورة ضد المشركين من أهلهم فليس الرسول مسئولًا عن أعمالهم الحربية ضد أهاليهم.