للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كفاح هذا الرجل العظيم محمد بن عبد الله الهاشمي، الذي كان ولسبع سنوات فقط، أهون على قومه في مكة، من أي شيء لديهم.

أَجمعوا على قتله وهو بين ظهرانيهم بمكة. وهم يعرفون كلهم، أنه أبر وأشرف وأطهر وأنبل من عرفته بطحاؤهم منذ كانت هذه البطحاء.

أجمعوا مع ذلك على التخلص منه بالقتل جزاء سعيه المخلص لإنقاذهم من براثن الشرك المهلكة، فأحاطوا بمنزله لينفذوا فيه جريمة القتل التي أجمعوا على تنفيذها في برلمانهم العشائرى (دار الندوة). انتصارًا للباطل ومعاندة للحق.

وعندما نجاه الله من شرهم، واكتشفوا فشل مؤامرتهم الدنيئة صبيحة تلك الليلة الليلاء حين لم يجدوا محمدًا في فراشه بمنزله كما توقعوا أن يجدوه لتمزقه سيوفهم، أهدروا دمه، وحرَّضوا على سفكه وأغروا كل سكان مكة والناطق المجاورة لها، بأن خصصوا أعظم مكافأة من أعز ما يتوق العربي إلى امتلاكه من مال (مائة ناقة) لمن يعيد إليهم محمدًا - صلى الله عليه وسلم - حيا أو ميتا. ولكنهم فشلوا فشلًا كاملًا، إذ نجى الله رسوله - صلى الله عليه وسلم - من مكرهم {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيرُ الْمَاكِرِينَ} (١).

[اليوم الذي فتحت فيه مكة]

أية مفارقة رائعة عظيمة تلك التي تمطى التاريخ في عليائه ليسجلها صبيحة ذلك اليوم التاريخي الخالد المشهود يوم الفتح الأعظم (يوم الاثنين لعشر بقين من شهر رمضان المبارك عام ثمان للهجرة) (٢). قصة محمد بن عبد الله الذي خرجت مكة كلها، قبل سبع سنوات فقط تبحث عنه في مطاردة جنونية مسعورة، كل فرد من المطاردين يمنى نفسه بقتل هذا الرجل أو إلقاء القبض عليه حيا ليُلقى به مكتفًا بين أيدى زبانية دار الندوة، فيحصل على المكافأة الضخمة التي سال لها لعاب كل إنسان في مكة يومها، والتي خصصتها خزينة برلمان الشرك لمن يمنع محمدًا من الهجرة إلى المدينة. بأية وسيلة كانت، القتل أو الاعتقال، كأن محمدًا قد ارتكب أعظم جناية تبيح دمه، نعم إنها في


(١) الأنفال ٣٠.
(٢) البداية والنهاية ج ٤ ص ٢٨٦، والسيرة الحلبية ج ٢ ص ٢١٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>