ولما كانت فكرة السلام في هذه الأَزمة الخطيرة تحتلّ المقام الأَول في ذهن النبي الأعظم - صلى الله عليه وسلم - بين الحلول التي يمكن اتباعها فقد قام من جانبه "بالرغم مما أقدمت عليه قريش من حماقات واستفزازات طيلة البضعة عشر يومًا التي مرّت على الأزمة قام من جانبه النبي - صلى الله عليه وسلم - بمحاولة سلمية أُخرى، وكانت هذه المحاولة الجديدة عن طريق مبعوث خاص آخر بعث به إلى قريش في معسكرها بوادي بلدح وفي مكة ذاتها.
[عمر بن الخطاب يعتذر عن الوساطة]
فقد رأى النبي الأعظم - صلى الله عليه وسلم - أن ينتدب عمر بن الخطاب ليكون مبعوثه الخاص إلى قريش يدعوها إلى السلام، وطرح فكرة الحرب جانبًا.
فاستدعى الرسول - صلى الله عليه وسلم - عمر وأبلغه بأنه يرغب في أَن يكون رسوله إلى قريش، ليمرض عليهم من جديد نفس العرض السلمي الذي حمله إليهم خراش بن أُمية، فلم يتمكن من إبلاغهم إياه لمحاولتهم الفتك به قبل أَن يفاتحهم بشأن هذا العرض.
غير أَن عمر بن الخطاب اعتذر للنبي - صلى الله عليه وسلم - عن القيام بهذه المهمة، وأعطى لهذا الاعتذار مبرِّرات معقولة جدًّا، وهي شدّة العداوة التي بين عمر بن الخطاب وبين المشركين، وضعف عصبيته القبلية بين قريش.
فقد قال ابن الخطاب (معتذرًا): يا رسول الله إني أخاف على نفسي وليس لي من بني عدي بن كعب أحدٌ يمنعني، وقد عرفت قريش - عداوتي إياها وغلظتي عليها.