على هذه الإستجوابات المثيرة بكل هدوء دون أن يبدوا عليه الانزعاج أو الإنفعال.
ولم يثبت أنه اتخذ أي إجراء تأديبى ضد هؤلاء اليهود مع علمه بأنهم في كل استجواباتهم ومناظراتهم لا يبحثون عن الحق لاتباعه، وإنما يبحثون عن المتاعب لإثارتها في وجه هذا الحق الذي جاء به محمد - صلى الله عليه وسلم -، والذي يعرفونه قبل غيرهم أنه الحق، فصاروا يقاومونه بكل وسيلة ممكنة، بغيًا وحسدًا.
[النبي وحرية القول]
ويمكننا الإعلان (بكل فخر واعتزاز) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بذلك الموقف المتسامح الذي وقفه من اليهود الذين شنوا عليه وعلى دعوته حربًا إعلامية واسعة متواصلة عنيفة - كان أول من وضع ونفذ قانون حرية القول والفكر، للمخالفين في العقيدة والدين.
فليس مشرعو القوانين الحديثة في البلاد الديمقراطية من العالم الحر الذين يفخرون بأن حكوماتهم تمنح الفرد مطلق الحرية ليفكر ويعلن عما يريد أن يقول، ولو كان هذا القول يتنافى مع رغبات الحاكم الأعلى ولا يتفق مع اتجاهاته، إلا عيالًا على ذلك القانون الذي وضع أسسه النبي الأعظم - صلى الله عليه وسلم - وطبقه إزاء خصومه (من مواطنيه) في العقيدة والدين والاتجاه، منذ أكثر من ثلاثة عشر قرنًا.
بل إن مشرعي القوانين الحديثة (في البلاد الديمقراطية الغربية) لم يستطيعوا (حتى في القرن العشرين) أن يقتربوا - في مجال منح الحريات العامة - مما أعطاه النبي - صلى الله عليه وسلم - في هذا المجال - من حريات مطلقة لمواطنيه ممن يخالفونه في الرأي والعقيدة والدين، كما رأينا في