وبالرغم من كثرة المنتسبين إلى الإسلام في الحاضرة والبادية في تلك الفترة, فإنه لم يستجب لدعوة الإستنفار هذه إلا الخلصاء المؤمنون الصادقون من أصحابه - صلى الله عليه وسلم -.
أما المنافقون من أهل المدينة، وضعاف الإيمان من الأعراب الذين أسلموا ولمَّا يدخل الإيمان في قلوبهم، فقد تخاذلوا وقرروا عدم مرافقة النبي - صلى الله عليه وسلم - في هذه الرحلة التاريخية. لأنه رسخ في نفوسهم المريضة أن مشركي مكة سيحولون دون دخول النبي - صلى الله عليه وسلم - ومن معه مكة بالقوة ومعنى ذلك أن المسلمين ونبيهم سيضطرون لخوض حرب ضروس بعيدين عن بلادهم. فهي إذن رحلة محفوفة بالأخطار الجسام، والمنافقون ليس لديهم أي رصيد من الإيمان يجعلهم يستهينون بهذه الأخطار في سبيل مرضاة الله.
لذلك تثاقلوا وتخلفوا عن ركب الإيمان متعللين بشتى الأعذار الكاذبة من ذلك أن انشغالهم بأهليهم وأموالهم، لا يسمح لهم بمصاحبة النبي - صلى الله عليه وسلم - في هذه الرحلة.
بينما الباعث الحقيقي لهذه الانهزامية والتثاقل هو ما رسخ في نفوسهم الضعيفة، من أن المسلمين سيخوضون حربًا ضروسًا مع قريش، وأنهم قد لا يعودون سالمين إلى المدينة، هكذا ظنوا. بل هكذا كانوا يتهامسون فيما بينهم، قائلين:(أنذهب إلى قوم قد غزره في عُقْرِ داره بالمدينة وقتلوا أصحابه (١) , ولكنهم تظاهروا بأنهم مشغولون بأهليهم وأموالهم واعتذروا بذلك.