وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يلبي ولم يقطع التلبية حتى رمى جرة العقبة، فعندما وصل الجمرة وقف في أسفل الوادي وجعل البيت عن يساره ومنى عن يمينه واستقبل الجمرة وهو على ناقته فرمى الجمرة راكبًا بعد طلوع الشمس، فكان رمى الجمرة أول نسك يباشره في منى، وكان رميه واحدة بعد واحدة يكبر مع كل حصاة يرمى بها، وكان أسامة وبلال معه أحدهما آخذ بخطام ناقته، والآخر يظلله بثوب من الحر (١).
[خطبته يوم العيد يوم الحج الأكبر]
وعقب انصرافه من جرة العقبة ألقى على المسلمين بمنى خطبة عظيمة، فتح الله لها أسماع الناس حتى سمعها أهل منى بعيدًا في منازلهم. فعن عكرمة وابن عباس قالا: خطب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الغد يوم النحر بعد الظهر على ناقته القصواء. فقال - صلى الله عليه وسلم -: أيها الناس اسمعوا من قولي فاعقلوه، فإني لا أدرى لعلّى لا ألقاكم بعد عامي هذا في هذا الموقف .. أيها الناس أي شهر هذا؟ قال: فسكتوا. فقال - صلى الله عليه وسلم -: هذا شهر حرام، فأيُّ بلد هذا؟ فسكتوا، فقال: بلد حرام، ثم قال: أي يوم هذا؟ فسكتوا، فقال: يوم حرام، ثم قال - صلى الله عليه وسلم -: إن الله قد حرّم دماءكم وأموالكم وأعراضكم كحرمة شهركم هذا، في بلدكم هذا، في يومكم هذا، إلى أن تلقوا ربكم ألا هل بلغت؟ قالوا: نعم، قال: اللهم اشهد، ثم: إنكم سوف تلقون ربكم فيسألكم عن أعمالكم، ألا هل بلغت؟ قالوا: نعم، قال: اللهم اشهد، ألا من كانت عنده أمانة فليؤدها إلى من ائتمنه عليها، ألا وإن كل ربا الجاهلية موضوع، وإن كل دم في الجاهلية موضوع، وأول دمائكم أضع دم إياس بن ربيعة بن الحارث - كان مسترضعًا في بني سعد بن ليث فقتلته هزيل-، ألا هل بلغت؟ قالوا: اللهم نعم. قال: اللهم اشهد، فليبلغ الشاهد الغائب، ألا إن كل مسلم محرَّم على كل مسلم، ولا يحل مال مسلم