فيما مضى ذكرنا أن الرسول القائد - صلى الله عليه وسلم - بعد أن أجاز الأمان الذي أعطاه العباس بن عبد المطلب لزعيم قريش وقائد جيوشها أبي سفيان بن حرب، أمر العباس بالتحفظ عليه في منزله على أن يحضره إلى خيمة القيادة العليا في اليوم التالي.
وقد فعل العباس كما أمره ابن أخيه النبي، فقد أحضر أبا سفيان بن حرب إلى خيمة القيادة العامة، فمثل أمام الرسول القائد الذي كان حوله هيئة أركان حربه، مثل الصديق وابن الخطاب وابن أبي طالب.
وبينما كان أهل مكة في تلك الساعات الحاسمة من تاريخهم المصيرى تجتاحهم، "وخاصة الزعماء منهم" موجة طاغية من الخوف والذعر والقلق، تعصف الإِشاعات بعقولهم، وتذهب التكهنات والشائعات بألبابهم .. ترى أيقتحم جيش محمد اللجب مكة اليوم أم غدا أم بعد غد؟ وماذا سيكون مصير أهل مكة؟ عندما يقتحمها هذا الجيش الذي لا قبل لأحد بمثله؟ لقد كان بعض كبار مجرمى الحرب من زعماء مكة يعدون العدة للهرب من مكة خوفًا من أن تنالهم يد العدالة على ما اقترفوا من جرائم يستحقون عليها العقاب الذي لا بد من إنزاله بهم.
بينما كان أهل مكة على تلك الحال التي لا يحسدون عليها، كان سيدهم وصاحب حربهم أبو سفيان بن حرب - بصحبة وسيط السلام العباس - يجرى مع الرسول - صلى الله عليه وسلم - مفاوضات التسليم في مقر القيادة العليا في الوادي خارج مكة.
لقد جرت محادثات ومناقشات كثيرة في المقر، وكان أول حديث جرى بين الرسول الأعظم - صلى الله عليه وسلم - وبين سيد قريش أبي سفيان، أن دعا الرسول - صلى الله عليه وسلم - أبا سفيان إلى ترك الشرك والوثنية واعتناق دين التوحيد. حيث قال له: ويحك يا أبا سفيان ألم يأن لك أن تعلم أن لا إله إلَّا الله؟ .
فقال أبو سفيان: بأبي أنت وأمي، ما أوصلك وأحلمك وأكرمك. والله لقد ظننت أن لو كان مع الله غيره لقد أغنى عنى شيئًا.