وكان الرسول - صلى الله عليه وسلم - كقائد عسكرى حريصًا على سلامة جيشه، وخاصة بعد أن نجح في حشده وتجهيزه، وكان حذرًا كل الحذر من دسائس المنافقين واستمرار محاولاتهم في التأثير بروحهم الخبيثة على الجيش، فبعد أن تم حشده وتجهيزه، سارع الرسول - صلى الله عليه وسلم - إلى الخروج به من المدينة، وبذلك عزله عن عناصر الرتل الخامس من المنافقين، بعد تصفيته منهم. قال الواقدي: وأخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الناس بالانكماش (أي الإسراع) والجد، وضرب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عسكره بثنيّة الوداع (خارج المدينة) والناس كثير لا يجمعهم كتاب.
[نماذج من تصرفات المنافقين]
لقد كان المنافقون -منذ قدوم الرسول - صلى الله عليه وسلم - المدينة- وهم يضمرون العداوة للمسلمين ويسببون المتاعب للرسول - صلى الله عليه وسلم - وسائلهم الباطنية الخبيثة، فكانوا لا يصارحون المسلمين بالعداوة، بل يبدون في الظاهر وكأنهم مسلمون بما يؤدون من شعائر معهم كالصلاة والحج وغير ذلك من الشعائر الظاهرة، ولكنهم في الباطن يكيدون للمسلمين كلما سنحت لهم الفرصة سرًّا.
ولما كان هؤلاء المنافقون يحملون الهوية الإسلامية، حيث يعتبرون -لاعتناقهم الإسلام ظاهرًا- جزءًا من الأمة الإسلامية، فإن القانون الإسلامي الذي يحكم به النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يضعهم تحت طائلة أية عقوبة، رغم القرائن والمؤشرات التي تشير -من خلال تصرفاتهم- إلى خبث طويتهم وإضمارهم البغض والكيد للإسلام والمسلمين، لأن هذا القانون الإسلامي لا يصدر حكمًا بالعقوبة إلا ضد جريمة معلنة ثابتة مشهودة، وعلى أساس هذا القانون كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يعامل هؤلاء المنافقين، فلم يثبت أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - حكم على أحد منهم بعقوبة استنادًا إلى ما تضمره نفوسهم وتنطوى عليه من كيد وبغض للمسلمين، ورغبة ملحة في إلحاق الضرر بهم.