للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عوف الذين كان المسجد مفخرة لهم.

أما مسجد المنافقين الذي بنى في هذه المناطق والذي أطلق عليه فيما بعد مسجد الضرار فقد بنى ليكون وكرًا للتآمر والشغب على النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه. ونقل عن المنافقين أنهم قالوا: نبني مسجدًا فنقيل فيه فلا نحضر خلف محمد، وقيل: إن أبا عامر الفاسق أمر ببناء مسجد الضرار قبل خروجه إلى الشام، وقال لأنصاره: ابنوا لي مسجدًا واستعدوا ما استطعتم من قوة وسلاح فإني ذاهب إلى قيصر الروم فآتى بجند من الروم فأخرج محمدًا وأصحابه من المدينة.

وروى أن السبب في بناء هذا المسجد أنه لما فرغ الناس من آحد رأى أبو عامر الفاسق أن أمة الرسول في ارتفاع وظهور، فذهب إلى هرقل ملك الروم يستنصره على النبي - صلى الله عليه وسلم - فوعده ومناه وأقام عنده وكتب إلى جماعة من قومه من أهل النفاق والريب يعدهم ويمنيهم أنه سيقدم بجيش يقاتل به رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأمرهم أن يتخذوا له معقلًا يقدم عليهم فيه من يقدم من عنده لأداء كتبه ويكون مرصدًا له إذا قدم عليه بعد ذلك فشرعوا في بناء مسجد مجاور لمسجد قباء فبنوه وأحكموه وفرغوا منه قبل خروج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى تبوك (١).

[كاد الرسول أن يصلي في مسجد الضرار]

ولما درج عليه المنافقون من قدرة على إخفاء نواياهم الشريرة وإظهارهم خلاف ما يبطنون ولكى يكون لوكرهم هذا "مسجد الضرار" صفة الشرعية ولكى يحصلوا له على دعم معنوى طلبوا إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم - بعد الانتهاء من بناء هذا المسجد - أن يؤدى - صلى الله عليه وسلم - فيه الصلاة، فوعدهم الرسول - صلى الله عليه وسلم - أن يفعل ولكن بعد عودته من تبوك، لأنهم جاؤوه وطلبوا منه أن يصلى فيه وهو على أهبة التحرك إلى تبوك، وكاد الرسول - صلى الله عليه وسلم - أن يصلى في مسجد الضرار وفاء بالوعد الذي أعطاه لأولئك المنافقين الذين لا يعلمهم، إلا أن القرآن نزل بهدم هذا المسجد بدلًا من الصلاة فيه، فحرقه الرسول - صلى الله عليه وسلم - بالنار وحرق معه دارين بجواره لكبيرين من كبار المنافقين.


(١) النفاق والمنافقون ص ٢٦٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>