قال ابن إسحاق: ومر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بدار بني عبد الأشهل فسمع البكاء والنوائح على قتلاهم، فذرفت عينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم قال: لكن حمزة لا بواكي له، فلما رجع سعد بن معاذ وأسيد بن الحضير إلى دار بني عبد الأشهل أمر نساءهم أن يتحزمن ثم يذهبين فيبكين على عم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولكن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما سمع بكاءهن على حمزة خرج عليهن وهن على باب المسجد يبكين فقال:"ارجعن يرحمكن الله فقد آسيتن بأنفسك"، ثم نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يومئذ عن النوح فيما قال ابن هشام، وفي رواية أُخرى .. لما سمع النبي النوائح قال ماهذا؟ ؟ فأخبر خبر بكاء نساء الأنصار على عمه حمزة فقال: ما هذا أردت وما أحب البكاء ونهى عنه (١).
[حالة الطواريء في المدينة]
ولما كانت تلك الليلة (التي عاد فيها الجيش الإسلامي من أُحد) أشبه بحالة الطوارئ، فقد باتت المدينة متيقظة ساهرة، على رجالها السلاح يحرسون مداخلها لاحتمال أن يحمل زهو الانتصار أبا سفيان على العودة لمهاجمتها.
وأنشأ الأوس والخزرج (من أنصار رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) من وجوههم وأبطالهم الأسداء مفرزة، وأوكلوا إليه القيام بحراسة الرسول - صلى الله عليه وسلم -، فبات رجال تلك المفرزة واقفين (في كامل سلاحهم)، على باب النبي - صلى الله عليه وسلم - خوفًا عليه من كرة العدو، الذي ليس من المستبعد أن يقوم بهجوم مفاجئ على المدينة لا سيما في تلك الليلة التي فيها عامة الجيش الإسلامي الذي شهد معركة أُحد مثقلا بالجراح قد أنهكه التعب.
(١) البداية والنهاية ج ٨ ص ٤٨ وقد وردت أحاديث أخرى صحيحة كثيرة تنهى عن البكاء والنوح على الأموات.