للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النصر للمسلمين تلمع في الأفق، وبدأت الصفوة من أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - ترى وعد الله لها بالنصر يظهر جليًّا في صور شتى وهو يكاد يتجسد، فقويت نفوسهم (وهي القوية أصلًا) وازدادوا عزمًا على عزم، وصار لديهم اليقين الذي لا يخالطه أي شك أن قوات أعدائهم المحيطة بهم من جانب والتي لا تقل عن خمسة عشر ألف مقاتل لا تلبث أن يهزمها الله وينزل الرعب في قلوبها فتنداح أمامهم ساعة الروع كما ينداح الورق اليابس أمام العاصفةِ في فصل الخريف.

[غطفان ترجع هاربة إلى بلادها قبل نشوب القتال]

لقد جاء في الحديث النبوى الصحيح أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "نُصِرتُ بالرعب".

وهذا هو الذي حدث بالفعل للقوات الرئيسية من قبائل غطفان وهي القوات انتى بلغت أربعة آلاف مقاتل، وخرجت من ديارهم تسير خلف المسلمين وهم سائرون إلى خيبر وتتعقبهم قاطعة عليهم خط الرجعة ومقررة الهجوم عليهم من الخلف لإرباكهم وجعلهم بينها وبين حلفائها من يهود خيبر الهدف الرئيسى لتحركات الجيش النبوى.

فقد ذكر المؤرخون أن هذه القوات النجدية الوثنية الضاربة بينما كانت تتحرك في إثر النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه لتضربهم من الخلف لحساب يهود خيبر حلفائها إذا بقادة هذه القوات يسمعون صريخ من خلفهم يصيح فيهم منذرًا إياهم بأن كتائب من المسلمين قد خلفوهم وأغاروا على ديارهم ومضاربهم وأنهم على وشك استياق أموالهم وسبى نسائهم وذراريهم.

قال ابن إسحاق: بلغني أن غطفان لما سمعت بمنزل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من خيبر جمعوا له، ثم خرجوا، ليظاهروا (١) يهود عليه، حتى إذا ساروا منقلة (أي مرحلة) سمعوا خلفهم في أموالهم، ظنوا أن القوم (أي المسلمين) قد خالفوا إليهم، فرجعوا على أعقابهم، فأقاموا في أهليهم وأموالهم، وخلوا بين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبين خيبر (٢). كما سمع الذين مع


(١) ظاهر عليه، أعان عليه.
(٢) سيرة ابن هشام ج ٢ ص ٣٣٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>