دلت المعارك الضارية التي خاضها المسلمون أمام حصن (ناعم) للاستيلاء عليه .. دلت على أنه أمنع وأقوى حصون خيبر وأن المدافعين عنه من اليهود هم أشجع يهود خيبر وأشدهم مراسًا في القتال.
ويكفي للتدليل على ذلك أن مرحبًا فارس خيبر هو الذي كان يتولى قيادة الدفاع عن هذا الحصن المنيع، يساعده في ذلك فارسان لا يقلان عنه شجاعة وجرأة وهما أخواه (ياسر والحارث) وكل هؤلاء القادة الثلاثة قتلوا مبارزة بأيدى المسلمين ولم يتمكن المسلمون من فتح حصن ناعم إلا بعد أن قضوا على هؤلاء الفرسان المغامرين الثلاثة كما سيأتي تفصيله.
[تشديد الحصار على حصن ناعم]
وبالرغم من ضروب الاستبسال التي أبداها آل مرحب وجنودهم في الدفاع عن هذا الحصن، وبالرغم من التعب الذي لقيه المسلمون بسبب المقاومة العنيفة التي أبداها اليهود، وبالرغم من وخامة المنطقة وتعرض كثير من جيش النبي - صلى الله عليه وسلم - لوباء الحمى (١) فقد أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بمضاعفة الضغط وتشديد الحصار على اليهود في هذا الحصن المنيع الذي يعتبر خط الدفاع الأول عن خيبر.
[قتل مرحب وافتتاح حصنه]
استمر اليهود في مقاومتهم الشرسة، وألحّ النبي - صلى الله عليه وسلم - في الهجوم على الحصن بغية فتحه، فدفع بالكتيبة من المهاجرين والأنصار تلو الكتيبة لمهاجة حصن ناعم، ولكن هذه الكتائب كلها عجزت عن اقتحام الحصن وفتحه لمناعته وشدة مقاومة اليهود.
(١) روى البيهقي في الدلائل عن أبي قلابة، قال: لما قدم النبي - صلى الله عليه وسلم - خيبر، قدم والثمرة خضرة، قال فأسرع الناس إليها فحموا (أي أصابتهم الحمى) فشكوا ذلك إليه فأمرهم أن يقرسوا الماء (يقرسونه يجعلونه شديد البرودة) في الشنان ثم يجرونه عليهم إذا أتى الفجر ويذكرون اسم الله عليه، ففعلوا ذلك فكأنما نشطوا من عقل (البداية والنهاية ج ٤ ص ١٩٥).