(مأرب في اليمن) قبل انهدام السد من أخصب بقاع الشرق الأوسط، وكان أهلها يشكلون أقوى قوة حربية في جزيرة العرب، وكان ملكهم (عند انهدام السد) ملكًا عظيمًا اسمه عمرو بن عامر مزيقيا وهو الملقب في التارخ (بماء السماء).
[الأوس والخزرج في المدينة]
وعندما تهدم السد انتاب الضعف مملكة مأرب فتفرق أهلها (وهم من الأزد من أبناء كهلان بن سبإ) في الأرض، فذهب الغساسنة منهم إلى الشام فصاروا ملوكها، ونزل اللخميون منهم العراق فدانت لهم أيضًا فصار منهم ملوك (الحيرة) وهم المناذرة المشهورين في التاريخ، كما اتجه الأوس والخزرج منهم إلى يثرب فنزلوها، فكان نزولهم إيذانًا بزوال سلطان اليهود في المنطقة. فقد عمل هؤلاء اليمانيون -منذ نزولهم أرض يثرب- على مضايقة اليهود بغية مشاركتهم في سلطان المدينة وثرواتها الكبيرة.
ولكن الأوس والخزرج ظلوا عاجزين أمام سطوة اليهود وتماسكهم. فقد بقى الأوس والخزرج -منذ نزولهم المدينة- في حالة فقر مدقع لا حول لهم ولا طول، وكان إخوانهم من العرب (سكان المدينة الأصليين قبلهم) أضعف منهم، لذا قنع الأوس والخزرج بما حصلوا عليه من أرض جدباء لا تنبت إلا القليل من الزرع، فعاشوا في ضيق من العيش، وبقى اليهود يتمتعون بسلطان الملك، والثروة كلها في أيديهم.
ظل الحال على هذا المنوال ردحًا من الزمن، إلى أن فكر اليمانيون في الاستعانة بإخوانهم الغساسنة من ملوك الشام.