فقد أوفدت الأوس والخزرج أحد زعمائها -مالك بن العجلان- إلى ملك الغسانيين (أبو جبيلة)، ولما وصل إليه شرح له سوء حال قومه وغلبة اليهود المحللين على منطقة يثرب واستثارهم بثرواتها دونهم، وطلب منه العون العسكري لإخضاع هؤلاء اليهود.
فتوجه الملك الغساني بجيشه لنجدة أبناء عمومته إلى يثرب، وهناك أوقع باليهود فكسرهم وأذلهم، في خبر طويل ليس هذا محل شرحه، وبعد ذلك رجع الملك الغساني إلى بلاده.
فكانت هذه الوقعة التي أباد فيها الملك الغساني مجموعة كبيرة من سادة اليهود وقادتهم، تنفس الأوس والخزرج الصعداء فصاروا ندًّا لليهود يصاولونهم ويجاولونهم -بعد أن كانوا لا يجرأون على التعرض لهم-، ومع هذا بقى اليهود على جانب كبير من القوة والتماسك، يصاولون اليمانيين ويجاولونهم. ولهذا دامت الحروب والمناوشات بين الفريقين زمنًا غير قصير، إلى أن دبر مالك بن العجلان (زعيم الأوس والخزرج) مكيدة أفنى فيها مجموعة كبيرة من زعماء اليهود، وفتك الأوس والخزرج باليهود فتكًا ذريعًا (١).
وبهذا خضد اليمانيون (الأوس والخزرج) شوكة اليهود فذلوا وانهدم سلطانهم، فقل امتناعهم وخافوا العرب خوفًا شديدًا ولم يستطيعوا الوقوف على أقدامهم في المدينة إلا بعد أن قبلوا الإندماج (قبليًا) في
(١) انظر التفاصيل في الأغانى ج ١٩ ص ١٩١ وما بعدها، طبعة دار الحياة.