للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[التفكير في التمرد ولكن!]

بل لقد فكَّر بعضهم - لشدة ما ناله من الحزن والأسى - في التمرّد والخروج لمقاتلة المشركين في الحديبية رغم اتفاقيَّة الصلح، لولا أَنْ عصمه الله من الإقدام على هذا التمرد.

فقد روى عن كبير المعارضين للصلح (الفاروق عمر بن الخطاب) أنه قال في خلافته - فيما رواه عنه ابن عبَّاس وكان يتحدّث عن صلح الحديبية - ارتبت ارتيابًا لم أرتبه منذ أسلمت إلَّا يومئذ، ولو وجدت ذلك اليوم (يوم الصلح) شيعة تخرج عنهم رغبة عن القضيّة لخرجت ثم جعل الله تبارك وتعالى عاقبتها خيرًا ورشدًا وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أعلم (١) وفي رواية أُخرى أَنَّ عمر قال: ما زلت أصوم وأتصدَّق من الذي صنعت مخافة كلامي الذي تكلَّمت يومئذ.

وقال أبو سعيد الخدري جلست إلى عمر بن الخطاب يومًا فذكر القضيَّة (أي صلح الحديبية) فقال: لقد دخلني يومئذ من الشك، وراجعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يومئذ مراجعة ما راجعته مثلها قط؛ ولقد أعتقت فيما دخلني يومئذ رقابًا وصمت دهرًا، وإني لأذكر ما صنعت خاليًا فيكون أكبر همي، ثم جعل الله عاقبة القضية خيرًا، فينبغي للعباد أن يتَّهموا الرأي، والله لقد دخلني يومئذ من الشك حتى قلت في نفسي: لو كنا مائة رجل على مثل رأْيي ما دخلنا فيه أبدًا، فلما وقعت القضيَّة أسلم في الهدنة أكثر ممّن كان أسلم من يوم دعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى يوم الحديبية وما كان في الإسلام فتح أعظم من الحديبية.


(١) مغازي الواقدي ج ٢ ص ٦٠٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>