العربية النصرانية وغير النصرانية التي بقيت في الشريط الشمال من الجزيرة العربية على كفرها وعلى عدائها الشديد للإِسلام.
وهكذا أعلن الاستنفار العام بين المسلمين في الحاضرة والبادية فاحتشد للرسول - صلى الله عليه وسلم - أضخم جيش في تاريخ حياته العسكرية، حيث تمكن من حشد ثلاثين ألف مقاتل في المدينة، تحرك هذا الجيش الضخم نحو الشيمال في اتجاه تبوك، ومما يدل على شعور المسلمين بالخطر الروماني الشديد في الشمال، سرعة حشدهم وإسراعهم في التحرك بجيشهم الضخم، حتى أن الرسول القائد - صلى الله عليه وسلم - تحرّك بهذا الجيش في وقت تشتد فيه حرارة الصيف اللاهبة، الأمر الذي يستنتج منه أن القيادة الإِسلامية في المدينة، قد تلقت عن الحشد الروماني معلومات خطيرة تستدعى التحرك من المدينة بأسرع ما يمكن نحو الحدود الشمالية، ولولا ذلك لما تحرك الرسول - صلى الله عليه وسلم - بذلك الجيش الضخم في ذلك الفصل من الصيف ذي الحرارة اللاهبة، الأمر الذي أعطى المنافقين الفرصة كي يحاولوا تثبيط عزائم المسلمين مضخمين لهم التاعب التي سيلاقونها من شدة الحر أثناء تحركهم كما سيأتي تفصيله فيما يلي من هذا الكتاب.
[كيف حشد الرسول جيشه]
كان من عادة الرسول الأعظم - صلى الله عليه وسلم - أنه إذا أراد أن يغزو عدوًا، أن يلتزم خطة الكتمان فلا يفصح في هدفه من التحرك حتى لأقرب المقربين إليه، اللهم إلا هيئة أركان حربه مثل أبي بكر الصديق، وذلك كما فعل عندما تحرك لفتح مكة بعشرة آلاف مقاتل، لم يعلم عامتهم بالجهة التي يتحركون نحوها، إلا عندما وصل مسافة حوالي عشرة أميال عن العاصمة المقدسة، حيث علم عامة الجيش أنه يريد قريشًا بمكة.
أما في غزوة تبوك فقد أعلن رسميًّا أنه يريد غزو الروم، ليستعد كل من يمكنه الانخراط في سلك الجيش المقرر زحفه نحو الحدود الشمالية، ويجهز نفسه بكامل ما يحتاج من عتاد حربي وإعاشة، لأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - سيقطع بهذا الجيش قرابة ستمائة ميل (حوالي ألف كيلو متر).