للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويختتم حذيفة حديثه هذا قائلًا: ثم رجعت كأنما أمشي في حمام فأتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - , فلما انتصف بي الطريق أو نحو ذلك، إذا أنا بنحو من عشرين فارسًا أو نحو ذلك معتمين فقالوا .. أخبر صاحبك أن الله قد كفاه.

فرجعت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو مشتمل في شملة يصلي، فوالله ما عدا أن رجعت حتى راجعني القُرُّ (١) وجعلت أُقرقف من البرد، فأومأ إلي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيده وهو يصلي فدنوت منه، فأسبل عليَّ شملته، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا حزبه أمر صلَّى، فأخبرته أني تركتهم (أي الأحزاب) يرحلون (٢).

وهكذا انقشعت الغمة، وخلص الله المسلمين من براثن المحنة، وقطف المؤمنون الصادقون ثمار صدقهم وصبرهم وثباتهم مع نبيهم الحبيب في تلك الليالى الرهيبة المرعبة التي زاغت فيها الأبصار وبلغت القلوب الحناجر، فقد أخذت جيوش الأحزاب في فك الحصار عن المدينة، وأخذت كتائبهم تولي الأدبار تجر أذيال الخيبة والخسران، لم تجن من غزوها الكبير هذا سوى التعب والنصب.

[الأحزاب تنظم انسحابها]

وعندما عزم الأحزاب على الإنسحاب وإنهاء الحصار، قرر القائد العام أبو سفيان، أن يكون الإنسحاب منظمًا لا فوضى فيه ولا اضطراب وأن يكون في حماية قوات مسلحة منظمة تتولى الإشراف عليه.


(١) القر بضم القاف هو شدة البرد.
(٢) انظر سيرة ابن هشام ج ٢ ص ٢٣٢، والبداية والنهاية ج ٤ ص ١١٥ والسيرة الحلبية ج ٢ ص ١١٠ وما بعدها.

<<  <  ج: ص:  >  >>