فكى الكماشة الرهيبة التي تمثلها جيوش الأحزاب وبنى قريظة، هذه الكماشة التي بدأت -وخاصة بعد غدر يهود بنى قريظة- تضغط بعنف على عنق جيش المدينة نفسه الذي برزت -داخل صفوفه- فئات المنافقين، تثبط وتُخَذِّلْ وتنشر روح الهزيمة والعصيان داخل هذا الجيش الصغير الذي بلغت نسبته إلى أعدائه واحدًا لأحد عشر.
[محاولة النبي عقد صلح منفرد مع غطفان]
ففي هذه الظروف الخانقة التي بلغت فيها الخطورة والاختناق بالجيش الإسلامي الذروة، وكان لا بد للقائد الأعلى النبي - صلى الله عليه وسلم - من أن يفكر في وسيلة تخفف (على الأقل) من الضغط الخانق الذي يتعرض له جيشه الصغير، والذي ينتظر أن يتعرض لمزيد من الأخطار المزلزلة إذا ما وفت قريظة الخائنة بوعدها للأحزاب وشنت قواتها الهجوم من الخلف على الجيش الإسلامي، الذي كان قد جند كل إمكانياته المحدودة للمرابطة وراء الخندق ومنع الأحزاب من اجتياز هذا الخندق.
ولهذا -وقبل أن تقوم قريظة بأي هجوم فعلى على المسلمين- فكر النبي - صلى الله عليه وسلم - كقائد عسكرى وسياسى- فكر في القيام بعمل يحدث به الفرقة والاختلاف بين قادة الأحزاب، ليخفف من شدة وطأة الحصار العنيف المضروب على المدينة، وليفت في عضد اليهود ليؤخروا (على الأقل) عملية القيام بضرب المسلمين من الخلف، هذه العملية المخيفة التي كان الجيش الإسلامى يتوقعها بين لحظة وأخرى.