للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أبا سفيان حيرة على حيرته (١). إذ لم يظفر من الكلمات النبوية المقتضبة بأي شيء يشير من قريب أو من بعيد إلى أن أبا سفيان قد حصل على أيّ شيء مما تريد قريش أن يطمئنها به كي تكون في مأمن، من العقاب العادل الذي تتوقعه على أيدى المسلمين جزاء مشاركتها في الغدر بخزاعة وتواطؤها مع سفهاء بني بكر في جريمة الوَتير.

فقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - لأبي سفيان -لما أنكر أن يكون حدث ما ينقض الصلح من قبل قريش-: فنحن على مدتنا وصلحنا يوم الحديبية، لا نغيّر ولا نبدل (٢). ولم يسمع من النبي - صلى الله عليه وسلم - بهذا الصدد -غير هذه الكلمات المقتضبة، فخرج أبو سفيان من مجلس الرسول - صلى الله عليه وسلم - وهو صفر اليدين خالى الوفاض.

[اتصالات أبي سفيان الثنائية بكبار الصحابة للتوسط عند الرسول]

غير أن أبا سفيان -وهو السياسي المرن- لم ييأس من التوصل إلى تحقيق شيء مما جاء من أجله، فقرر الاتصال بكبار المهاجرين من قريش، لعلهم -بما لهم من مكانة- يؤثِّرون على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيجيب أبا سفيان إلى توثيق الصلح وزيادة مدته.

وكان أول من اتصل به من المهاجرين أبا بكر الصِّديق الذي كلمه أبو سفيان وطلب منه أن يتوسط لدى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليقبل التفاوض ويزيد في مدة الصلح. ولكن الصديق -وقد علم شناعة الجرم الذي ارتكبته قريش- رفض طلب أبي سفيان قائلًا: ما أنا بفاعل (٣).

فلما يئس أبو سفيان من أقرب المقربين إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، تركه واتجه إلى عمر بن الخطاب، -وكان معروفًا بعداوته الشديدة لمشركي مكة- فطلب منه مثلما طلب من أبي بكر الصديق أن يتوسط لدى


(١) السيرة الحلبية ج ٢ ص ١٩٧ وفي سيرة ابن هشام أن أبا سفيان لما كلم الرسول - صلى الله عليه وسلم - لم يرد عليه.
(٢) امتاع الأسماع ص ٣٥٨. والسيرة الحلبية والواقدى وابن هشام.
(٣) سيرة ابن هشام ج ٤ ص ٣٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>