للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الرسول ليجدد الصلح ويزيد في المدة. فأسمعه ابن الخطاب ما ملأ نفسه يأسًا , إذ قال له: أأنا أشفع لكم إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فوالله لو لم أجد إلا الذر (١) لجاهدتكم به. وفي رواية: والله لو وجدت الذر تقاتلكم لأعنتها عليكم. فقال أبو سفيان (متألمًا): جزيت من ذي رَحم شرًّا (٢).

فذهب إلى عثمان بن عفان مكررًا المحاولة. فقال له: إنه ليس في القوم أحد أقرب بي رحمًا منك -وكان عثمان من بني أمية عشيرة أبي سفيان-، فزد في الهدنة وجدد العهد فإن صاحبك لن يرده عليك أبدًا، والله ما رأيت رجلًا قط أكثر إكرامًا لصاحب من محمد لأصحابه! ! فلم يستجب له عثمان، بل دفعه -ولكن دفعًا رقيقًا- حيث قال له: جوارى في جوار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (٣).

بعد هذه المحاولات الفاشلة التي قام بها أبو سفيان لجأ إلى علي بن أبي طالب. وإلى زوجته فاطمة الزهراء بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فدخل عليهما وبين أيديهما ابنهما الحسن غلام صغير. فبدأ بعلي متوسلًا بما بينهما من قرابة قائلًا: يا عليّ إنك أمَسّ القوم بي رحمًا وأقربهم منى قرابة، وإني قد جئتك في حاجة فلا أرجعن كما جئت خائبًا فاشفع لي إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. فقال ويحك يا أبا سفيان والله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على أمر ما نستطيع أن نكلمه فيه (٤). فقال: يا أبا الحسن أجِرْ بين الناس وكلم محمدًا يزيد في المدة، فكرر على اعتذاره قائلًا: ويحك يا أبا سفيان! إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد عزم أن لا يفعل، وليس أحد يستطيع أن يكلم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في شيء يكرهه (٥).

وهنا -وكمحاولة أخيرة- التفت أبو سفيان إلى فاطمة الزهراء وطلب منها أن تتوسط في الأمر فتكلِّم أباها الرسول - صلى الله عليه وسلم - لتحصل لأبي سفيان على ما يريد من تجديد الصلح وزيادة المدة فيه فاعتذرت فاطمة


(١) سيرة ابن هشام ج ٤ ص ٣٨.
(٢) مغازي الواقدي ج ٢ ص ٧٩٢.
(٣) إمتاع الأسماع ص ٣٥٩.
(٤) سيرة ابن هشام ج ٤ ص ٣٨.
(٥) مغازي الواقدي ج ٢ ص ٧٩٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>