للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فلما رأى أبو عبيدة الاختلاف - وكان حسن الخلق لين العريكة - قال لتطمئن يا عمرو - وتعلمن أن آخر ما عهد إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن قال: "إذا قدمت على صاحبك فتطاوعا ولا تختلفا" وإنك والله إن عصيتنى لأطيعنك. فأطاع أبو عبيدة. فكان عمرو يصلى بالجيش (١).

[وقفة اعتبار وتدبر]

ولعله يجدر بنا معشر المسلمين - وخاصة العرب الذين مررنا ولا نزال نمر بأحلك فترة في تاريخ الصراع بل والاقتتال والختل والشتائم من أجل الزعامة. فأخلينا الساحة للعدو يفعل بنا ما يشاء ويذلنا ويمتهن كرامتنا كيف يشاء بينما تكرس كل الجهود في أكثر أقطارنا (إياها) من أجل هدمنا من الداخل - لعله يجدر بنا (إن أردنا الاتعاظ والاعتبار) أن نقف عند هذه الحادثة وقفة تدبر وإمعان.

لنرى مدى الأخلاقية العالية. ودقة الضبط في السلوك. وشيوع روح التضحية بالجاه والمنصب في سبيل جمع الصف ووحدة الكلمة. بين أولئك الرجال الذين أدبهم الإِسلام ورباهم القرآن أحسن تربية فصاروا يجعلون مصلحة الإِسلام وأمته فوق كل مصلحة وغاية. ولذلك تم لهم النصر والغلبة في كل ميدان.

فأبو عبيدة بن الجراح من السابقين الأولين ومن صفوة أصحاب محمَّد - صلى الله عليه وسلم - الذين آمنوا به وكانوا إلى جانبه منذ انبثاق شمس دعوته الخيرة - وظلوا - أيام اشتداد المحنة عليه بمكة - كذلك يشاركونه سراء الدعوة وضراءها.

وعمرو بن العاص (رضي الله عنهم أجمعين) لم يدخل في الإِسلام إلا قبل أربعة أشهر من هذه الغزوة التي أعطاه النبي - صلى الله عليه وسلم - قيادة القوات التي كلفت القيام بها.

فأبو عبيدة ومن معه من سراة المهاجرين وأركانهم - مثل أبي بكر وعمر - يرون أن أبا عبيدة أولى من عمرو بأن يؤم الجيش - لكون أبي


(١) مغازي الواقدي ج ٢ ص ٧٧١ تحقيق الدكتور مارسدن جونس طبعة جامعة أكسفورد.

<<  <  ج: ص:  >  >>