ولكن عمرو بن العاص. يرى خلاف ذلك. فهو يرى أن لا دخل للفضل والسابقة في هذا الموضوع. وإنما هو - حسب اعتقاد عمرو - الانضباط العسكري والالتزام القيادى.
فعمرو هو القائد الأوّل للجيش في هذه الغزوة. لأنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - أعطاه لواءها وحدد له المهمة. وهي غزو قبائل قضاعة وبَلى وعُذرة وأحلافهم من الأعداء. فتحرك من المدينة على هذا الأساس. قائدا لغزوة ذات السلاسل.
وأبو عبيدة وأصحابه (رضي الله عن الجميع) إنما جاءوا مددا لعمرو. ونجدة بعد أن اتصل عمرو بالنبي - صلى الله عليه وسلم - وطلب إمداده بهذه النجدة.
ولا شك أن النبي الأعظم - صلى الله عليه وسلم - كقائد أعلى مجرب مسئول - قد توقع أن يحدث الذي حدث من الاختلاف بين القائدين (أبي عبيدة وعمرو) ولهذا كان من توصيته - صلى الله عليه وسلم - لأبي عبيدة أن لا يختلف مع عمرو. ولهذا سارع أمين الأمة أبو عبيدة إلى حسم الخلاف وألقى بقياده إلى عمرو بن العاص. بالرغم من أن كتيبة أبي عبيدة تضم صفوة المهاجرين والأنصار.
إن في هذه الحادثة عبرا ودروسا لكل ذي منصب صغر أو كبر. . .
إن تولية عمرو بن العاص على هذه الصفوة من المهاجرين والأنصار الذين هم أفضل منه وأسبق إلى نصرة الإِسلام. تعنى أشياء كثيرة ولها مغاز واسعة في مجال التربية والتوجيه المعنوى والانضباط العسكري والتهذيب الخلقى.
بل إنها لقاعدة مكينة للسلوك الحربى المستقيم والانضباط العسكري الدقيق. فتولية عمرو على أولئك الصفوة من الصحابة تعنى (من وجهة نظر التربية العسكرية الإِسلامية) أن إطاعة أوامر القائد العادل الأعلى المسئول لا تقبل النقاش. وخاصة في ظروف الحرب.