أذينة، عالية الهمة شديدة الحزم نيّرة الفكر واسعة الأفق على مستوى رفيع من الثقافة، فكانت له في حياته خير عون. كان يثق بها إلى أبعد الحدود، لذلك كان ينيبها عنه في إدارة شؤون مملكته المترامية الأطراف، كلما اضطرته الظروف إلى مغادرة العاصمة تدمر، لمباشرة حرب ضد أي من خصومه سواء كانوا من الفرس أو من الرومان. تلكم هي ملكة "تدمر" الذائعة الصيت التي يسميها المؤرخون الإِسلاميون "الزباء" ويسميها المؤرخون الرومان واليونان "زينوبيا".
[الملكة الوصية على عرش ابنها]
كان الملك الشاب أذينة الأصغر، قد رزق من زوجه الزباء "زينوبيا" ثلاثة أبناء كلهم ذكور. وكانوا جميعًا عندما جرى اغتيال والدهم الملك "أذينة" دون سن الرشد، وكان أكبرهم سنًّا ابنه "وهب اللات".
لذلك بايعه أركان مملكة تدمر ملكًا خلفًا لأبيه. ولما كان وهب اللات "كما قلنا" قاصرًا دون سن الرشد قرر مجلس الشيوخ في "تدمر" أن تكون أمه الزباء "زينوبيا" وصية عليه تدير شئون المملكة نيابة عنه.
[تدمر تبلغ ذروة المجد في عهد الزباء]
سارت الملكة الزباء على خطى زوجها الشاب الملك أذينة من حيث الشجاعة والطموح وشدة الحزم واليقظة وحسن التدبير.
ورغم أن زوجها الملك الشاب فارق الحياة وهي في ريعان الشباب فإنها لم تفكر في الزواج بعده بل رضيت الترمل فعاشت لأبنائها "وبشهادة المؤرخين الرومان واليونان" كانت الزباء "رغم ترف الملك وعزة السلطان" مثال العفة والاستقامة، والبعد عن المجون.
بل صرفت كل اهتمامها إلى تنشئة أبنائها "وخاصة الملك الصغير وهب اللات" على الفروسية وتوسيع الثقافة، والتدرب على شئون الحكم. وقد بلغ بها الاهتمام بتربية ابنها الملك الصغير "وهب اللات" إلى أن جعلته يبلغ في الثقافة إلى إجادة اللغة اللاتينية، وكانت هي نفسها تجيد اللغة اللاتينية واليونانية والمصرية. وكانت تدرب ابنها على تعلم أصول سياسة الملك ليصبح