ركبت أكتافهم وظن قادتها أن هزيمة المسلمين ساحقة وأن مكة أصبحت في حكم المنتهى أمرها سقوطًا في قبضة هوازن.
[احتدام القتال من جديد]
وبعد استجابة الصحابة المنهزمين لنداء الرسول الحبيب - صلى الله عليه وسلم - عبر صوت عمه العباس، احتدم القتال بين المسلمين وهوازن كأعنف ما يكون، فدارت المعركة رهيبة، وتحوَّل موقف هوازن في لحظات من الهجوم إلى الدفاع، وقاتل المسلمون المشركين بحنق وغيظ فصبروا صبرًا عظيمًا حتى كتب الله لهم النصر المؤزر، وانهزمت هوازن هزيمة مدمرة لم يهزم مثلها أحد من العرب عبر التاريخ. تحطم كبرياء هوازن الذي هزها بسبب نصرها المفاجئ المؤقت عند الصدمة الأولى، ونزل بها الذل والهوان، والهزيمة التي ما كان أحد من قادتها يتصور أنها ستحدث. أو حتى سيتمكن المسلمون من عدم مواصلة الانهزام حتى مكة. أو حتى البحر، كما قال أحد الذين أسلموا ولما يدخل الإِيمان في قلوبهم.
كل ذلك حدث بفضل الله تعالى ثم بفضل ثبات النبي القائد بأبي وأمى هو صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، والذي كان ثباته مكانه ومهاجمته المشركين ساعة انهزام المسلمين (رغم أنه لم يثبت معه سوى مائة من أصحابه) سببًا في رفع رصيد المسلمين بالمعركة في حساب النصر من الصفر حتى أعلى رقم في حسابات الفوز والغلبة.
فقد خجل المنهزمون المسلمون حين علموا أن نبيهم ثابت مكانه يصارع أمواج الجيش الهوازنى وهم يفرّون منهزمين، خجلوا حين سمعوا المناشدة النبوية بدعوتهم إلى العودة إلى ساحة القتال حول نبيهم، فرجعوا وانقضوا على العدو بحنق وغيظ) وكأنهم الرياح العاتية تكتسح كل شيء يعترضها، حتى أن أحدهم (كى يكون أسبق العائدين إلى ميدان القتال) يرمى خطام جمله ثم يقفز من على ظهره حاملًا سيفه ورمحه وهو يجرى بأقصى سرعة إلى حيث يقف الرسول الأعظم - صلى الله عليه وسلم - لمجالدة المشركين.
وكما كان المسلمون في هزيمتهم عند الصدمة الأولى يدوس بعضهم بعضًا صاروا أشد من ذلك في الازدحام حينما عادوا إلى ميدان الشرف ونفضوا غبار