لا شيء، إلا العفو الشامل عند المقدرة الكاملة، خُلق لا يتحلى به إلا أولو العزم من الرسل الذين صَفت نفوسهم وطهرت، فلم يوجد فيها مكان لحقد أو ضغينة.
[كيف دخل الجيش النبوي مكة]
كان المخطط الذي وضعه الرسول القائد - صلى الله عليه وسلم - لجيشه للاستيلاء على المدينة المقدسة يقضى بأن تنعم هذه المدينة بالأمن والسلام، وأن لا يشعر أهلها بأي ترويع في النفس أو الأهل أو المال أو الولد.
ومن أجل تحقيق هذا الهدف النبيل أصدر الرسول القائد - صلى الله عليه وسلم - إلى كافة القطعات في جيشه أوامره بأن لا يستخدموا السلاح عند دخولهم مكة إلا ضد الذي يشهره في وجوههم. أي أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - أمر الجيش بالامتناع عن القتال داخل مكة إلَّا في حالة الدفاع عن النفس.
[نظام منع التجول في مكة]
ومن جهة أخرى، ولكى تتجنب المدينة المقدسة أي صداء دام الذي قد يثيره أصحاب العواطف العمياء من القرشيين، فرض الرسول القائد - صلى الله عليه وسلم - - بالاتفاق مع سيد قريش أبي سفيان بن حرب - نظام منع التجول وحظر حمل السلاح على جميع سكان مكة. عندما يشرع الجيش النبوي في السيطرة عليها حتى ينتهى من تحريرها.
وقد التزم أهل مكة، بنظام منع التجول، فالتزموا منازلهم، أو المسجد أو دار أبي سفيان استجابة لنداء زعيمهم وقائدهم أبي سفيان، كما ألقوا بأسلحتهم خارج بيوتهم كعلامة على الاستسلام.
وبسبب تنفيذ أهل مكة لنظام منع التجول خلت الشوارع والطرقات والميادين العامة من المارة، وأرهف القرشيون أسماعهم في انتظار الحَدَث العظيم، وخيم الصمت على العاصمة المقدّسة، وتلاحقت ضربات القلب في الصدور الخائفة .. صدور سادات مكة الذين صارت قلوبهم تركض بين جنوبهم، وكأنها تكاد تقفز من الصدور جزعا، وهم يستعرضون ماضيهم الأسود، وكأنه شريط يقوم التاريخ بعرضه أمامهم ليروا فيه ذلك الماضي الزاخر بجرائم العسف والظلم والبغى والاضطهاد التي ارتكبوها في حق ابن مكة