كذلك رأَينا فيما مضى كيف انسحب سيد ثقيف وحليف قريش وصهرها (عروة بن مسعود) من التجمع الوثني، بعد أَن شجب تصرّفات قريش القاضية بمنع المسلمين من زيارة البيت، ووصف تصرف النبي - صلى الله عليه وسلم - بالرشد والاعتدال حين لمس ذلك فيه عندما قابله في الحديبية يوم أَرسلته قريش وسيطًا يفاوض النبي - صلى الله عليه وسلم - ويقنعه بالعودة إِلى المدينة.
فقد قال عروة بن مسعود لقريش: إِن محمدًا قد عرض عليكم خطة رشد فاقبلوا ما عرض عليكم فإِني ناصح لكم، ثم صارحهم بأَنه يرجح أَن تكون الهزيمة من نصيبهم إِذا ما حاربوا النبي - صلى الله عليه وسلم - قائلًا:(مع أَني أَخاف أَن لا تُنصروا عليه).
ولما أَبت قريش أَن تستجيب إِلى نصح حليفها القوي الثاني (عروة) قال غاضبًا ومحمِّلهم مسؤولية هذا العناد: (ما أَراكم إِلا ستصيبكم قارعة يا معشر قريش) أَيّ بسبب محاولتكم منع المسلمين من زيارة البيت. . ثم ترك التجمع الوثني وانصرف بقومه إِلى الطائف.
ومما لا جدال فيه أَن هذا الانشقاق الخطير الذي حدث في معسكر الشرك هو من المكاسب التي جناها المسلمون في هذا الصلح. . فهذا - الانشقاق كان عامل ضعف في جانب القرشيين بقدر ما كان عامل تقوية وتدعيم لمركز المسلمين. . الأَمر الذي حدا بقريش بل أَجبرها - على أَن تقبل مبدأَ الاعتراف بحق المسلمين في الطواف بالبيت، بل وتوقِّع على الاعتراف بهذا الحق في وثيقة صلح الحديبية الذي أَثبتت الأَحداث - فيما بعد - أَنه من أَعظم الانتصارات التي حققها الإِسلام على الشرك والمشركين.