للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فقد رأَينا فيما مضى كيف غضبت قريش على سيّد الأَحابيش (الحليس بن زبّان) وهو أَقوى حاليف لها عندما صارحها بالحقيقة وأَنها تتصرف تصرّفًا سيئًا عندما تحول بين المسلمين وبين الطواف بالبيت، الأَمر الذي -كما أَشار الحليس- لا يمكن لأَيِّ عربي استساغته أَو إِقراره لأَنه بغي وظلم، ما سبق وإن أَقدم على مثله أَحد ممن سادوا أَرض الحرم عبر العصور.

ورأَينا كيف أَن زعيم الأَحابيش عندما جبهته قريش وسفَّهت رأْيه، عندما أَسمعها كلمة الحق بشأْن المسلمين - بعد أَن لمس بنفسه نزاهة مقصدهم وسلامة موقفهم - هدد قريشًا بأَنه سيلغي الحلف الذي بينه وبينها، وينسحب برجاله من تجمُّعها إِذا لم تصغ لصوت الحق فتخلِّي بين المسلمين وبين البيت ليطوفوا به.

الأَمر الذي أَزعج قريشًا وجعلها تتوسل إِلى حليفها القوي بأَن - لا ينفِّذ تهديده حتى تجد لها مخرجًا من ورطتها، بعد أَن وعدته بأَنها ستسعى لإِيجاد مخرج يكون فيه رضاه ويحفظ لها شيئًا من ماءِ وجهها ويضمن السماح للمسلمين بزيارة البيت الذي كان صدُّ قريش المسلمين عنه أَساس المشكلة ومصدر غضب سيد الأَحابيش.

وتهديد الحليس بن زبّان كان ثاني انشقاق خطير يواجهه التجمع الوثني في الحرم، مما حمل سادات قريش على التفكير جديًّا في الرجوع إِلى طريق الاعتدال والتخلي عن سياسة العنجهية والحماقة والسفه .. الأمر الذي وصل في النهاية بقريش (مكرهة) إِلى التوقيع على معاهدة هذا الصلح التاريخي.

<<  <  ج: ص:  >  >>