للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قالوا: ما هي.

قال: تعلمون والله أن هذا الرجل (يعني محمدًا - صلى الله عليه وسلم -) لنبي مرسل، إنا نجده في كتابنا نعرفه بصفته التي وصف لنا، فهلمَّ فلنتبعه، فتسلم لنا دنيانا وآخرتنا.

فقالوا: نحن نكون تحت أيدى العرب، ونحن أعظم الناس ملكا، أكثرهم رجالًا، وأفضلهم بلدًا.

قال: فهلمّ فأعطيه الجزية في كل سنة، أكسر عنى شوكته وأستريح من حربه بمال أعطيه إياه.

قالوا: نحن نعطى العرب الذل والصغَّار بخَرج يأخذونه منّا، ونحن أكثر الناس عددًا، وأعظمهم ملكًا، وأمنعهم بلدًا، لا والله لا نفعل هذا أبدًا. قال فهلم فلأصالحه على أن أعطيه أرض سورية ويدعنى وأرض الشام فقالوا: نحن نعطيه أرض عمورية وقد عرفت أنها أرض سورية الشام لا تفعل هذا أبدًا.

[هرقل يودع سوريا الوداع الأخير]

وبعد أن رفض أركان دولة بيزنطا عروض ملكهم الثلاثة قال لهم (وقد تهيأ للعودة إلى عاصمة ملكه على البوسفور) .. أما والله لترون أنكم قد ظفرتم إذا امتنعتم منه في مدينتكم. ثم جلس على بغل له، فانطلق حتى إذا أشرف على الدرب استقبل أرض الشام، ثم قال: السلام عليكم أرض سورية تسليم الوداع ثم ركض حتى دخل قسطنطينية عاصمة ملكه (١).

تحقيق المقام حول موقف هرقل من الإِسلام

مما لا جدال فيه أن جمهرة أئمة الحديث والسير والتاريخ (البخاري - مسلم - أحمد - الترمذي - الطبري - الواقدي وغيرهم) مجمعون على أن الملك هِرقل قد استقبل خطاب الرسول - صلى الله عليه وسلم - الذي يدعوه فيه إلى الدخول في الإِسلام، بالترحاب والقبول والتكريم، وأنه كان مقتنعًا بأن محمدًا - صلى الله عليه وسلم - نبي مرسل إلى الناس كافة كما هو مكتوب في التوراة والإِنجيل، وأنه كان حريصًا على أن يعتنق وشعبه الإِسلام. وأنه حاول (بمختلف الوسائل) أن يقنع أهل الحل والعقد من رجال الكهنوت وقادة الجيش والوزراء والأعيان في الإِمبراطورية


(١) تاريخ الطبري ج ٢ ص ٦٥١ والبداية والنهاية ج ٤ ص ٢٦٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>