للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الوصول إلى تبوك]

وبعد أن قطع الرسول صلى الله عليه وسلم ما يقارب ال ٤٠٠ ميل وصل تبوك، ولم يكن بها من الماء إلا قليل، وقد أكرم الله تعالى رسوله بمعجزة جديدة حيث فجر له هذه العين بالماء الغزير حتى ارتوى الجيش، كما أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم بعض أصحابه أن تبوك "بعد ذلك الشح في الماء" ستكون ذات بساتين غنّاء، وقد حدث ذلك بالفعل كما هو مشاهد اليوم، وذلك من أعلام النبوة.

فقد جاء في المغازي أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: إنكم ستأتون غدًا إن شاء الله عين تبوك، وإنكم لن تنالوها حتى يضحى النهار، فمن جاءها فلا يمس من مائها شيئًا حتى آتى. قال معاذ بن جبل: فجئنا وقد سبق إليها رجلان، والعين مثل الزلال تبضّ (١) بشيء من ماء فسألهما: هل مسستما من مائها شيئًا؟ قالا: نعم، فقال لهما ما شاء الله أن يقول، ثم غرفوا بأيديهم قليلًا حتى اجتمع في شن (٢) ثم غسل النبي صلى الله عليه وسلم فيه وجهه ويديه، ثم أعاده فيها فجاءت العين بماء كثير فاستقى الناس، ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: يوشك يا معاذ إن طالت بك حياة أن ترى ما ها هنا قد مُلِئ جنانا (٣).

وأخرج البيهقي وأبو نعيم عن عروة أن النبي صلى الله عليه وسلم حين نزل تبوك وكان في زمان قلّ ماؤها فيه فاغترف غرفة بيده من ماء فمضمض به فاه، ثم بصقه فيها ففارت عينها حتى امتلأت فهي كذلك حتى الساعة. وأخرج ابن إسحاق نحوه، وفيه: "فانخرق من الماء حتى كان يقول من سمعه: إن له حسًّا كحس الصواعق - يعني كصوت الرعود - وذلك الماء فوّرة تبوك اليوم (٤).


(١) بض الماء يبض بضيضًا: سال قليلًا قليلًا.
(٢) الشن "بفتح الشين" القربة الخلقة التي كثر استعمالها.
(٣) الخصائص الكبرى ج ٢ ص ١٠١، تحقيق الدكتور محمد خليل هراس، وأخرجه مسلم عن معاذ بن جبل، والواقدى في المغازي ج ٣ ص ١٠١٣.
(٤) الخصائص الكبرى للسيوطي ج ٢ ص ١٠١.

<<  <  ج: ص:  >  >>