ولدى حضور زعماء خزاعة وبنى بكر إلى الحديبية أحيطوا علمًا بما تم الاتفاق عليه بين المسلمين وقريش من الاتفاق على الصلح وإنهاء حالة الحرب لمدة عشر سنوات، ثم أعطى المتفاوضون الرئيسيون (المسلمون وقريش) لزعماء خزاعة وبنى بكر مطلق الحرية ليختار كل منهم الدخول في عهد أيّ من الفريقين الرئيسيين (المسلمين وقريش) ليكونوا بهذا الاختيار حلفاء للفريق الذي يدخلون في عهده لهم ماله وعليهم ما عليه. ويكونوا ملزمين (كالمسلمين وقريش) بتطبيق بنود الصلح.
ونتيجة هذا التخيير. أعلنت خزاعة مسلمها وكافرها الدخول في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - كما أعلنت بنو بكر بن عبد مناة -من ناحية أخرى- دخولها في عهد قريش. وتم تسجيل ذلك في صلب معاهدة صلح الحديبية (١).
وبذلك أصبحت خزاعة حليفة للمسلمين وبنو بكر حليفة لقريش وصار اعتداء أيّ من القبيلتين على الأخرى نقضًا للصلح وغدرًا تتحمل مسئوليته الفئة التي كان المعتدى من هاتين القبيلتين حليفًا لها.
وبعبارة أوضح فإن بنود الصلح صريحة في أن قريشًا تتحمل مسئولية أيّ نقض للصلح تقوم به بنو بكر بن كنانة. كما يتحمل المسلمون مسئولية أيِّ تصرف يناقض هذا الصلح تقوم به حليفتهم خزاعة.
[وفاء المسلمين بالعهد]
لقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه -كما هي شيمتهم وخلقهم- حريصين كل الحرص على الوفاء بالعهد الذي أعطوه في اتفاقية الحديبية وتطبيق هذه الاتفاقية نصًّا وروحًا انطلاقًا من القاعدة الأخلاقية النبيلة التي أرساها الإسلام وظلت ركيزة خلق المسلم الصادق في معاملته الأصدقاء والأعداء على السواء {وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ
(١) انظر بنود صلح الحديبية في كتابنا الخامس (صلح الحديبية).