كان صلح الحديبية التاريخي يستهدف من وجهة نظر المسلمين فيما يستهدف، توفير الأمن والاستقرار لمنطقة الحجاز كلها، وإعطاء كلّ من المسلمين والمشركين في المنطقة كامل الحرية ليتصل بعضهم ببعض.
لأن ذلك يعطى عامة المشركين (في ظل هذه الحرية) الفرصة ليعرفوا الإِسلام على حقيقته، وهي الحقيقة التي شوهتها زعامة الشرك والوثنية في المنطقة. بقصد تنفير عامة جماهير المنطقة من الإِسلام الذي يشكل (في واقعه) خطرًا كبيرًا على كراسى الزعامة الوثنية في المنطقة وخاصة في مكة.
كان صلح الحديبية (رغم أنه في ظاهره نصر سياسى لقريش) قد عقد على كره من سادتها ولكنهم اضطروا إلى إبرامه كبديل عن الحرب التي كانت وشيكة الوقوع والتي كانت قريش (في قرارة نفسها) تخشاها رغم تفوقها العددى على المسلمين الذين كانوا يرابطون في الحديبية بالقرب من مكة.
ولما كانت قبيلتا بني بكر الكنانية، وقبيلة خزاعة اليمانية من السكان المحيطين بالحرم وذوى ثقل على مختلف المستويات في المنطقة، وكانتا على خلاف دموى قبلي بينهما، بقاؤه يظل مصدر تعكير لأمن المنطقة، ويجعل صلح الحديبية غير متكامل وغر محقق للأهداف (أهداف السلم الشامل الذي من أجلها أبرم) فقد اتفق الفريقان المتفاوضان (المسلمون والمشركون) على استدعاء سادات القبيلتين (بني بكر (١) وخزاعة) إلى سهل الحديبية حيث كان يجرى بين الفريقين الرئيسيين (المسلمين وقريش) التفاوض لصياغة بنود معاهدة الصلح لكى تكون القبيلتان (بنو بكر وخزاعة) داخلتين في المعاهدة من حيث الالتزام بإنهاء حالة الحرب بينهما لمدة عشر سنوات شأنهما في ذلك شأن المسلمين وقريش.
(١) هم بنو بكر بن عبد مناة بطن من كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عبدنان.