وهذا هو الذي يجعلنا نجزم أن النظم في البلاد الغربية المتحضرة (وفي القرن العشرين) لا تزال في قوانينها حول منح الحريات العامة للفرد بعيدة كل البعد عن المنزلة التي وصل إليها القانون النبوى في هذه الناحية، وخاصة مع المخالفين له في العقيدة والدين والاتجاه.
[الطريق الخطر]
ولقد ظل النبي - صلى الله عليه وسلم - على موقفه المرن مع اليهود، حيث ذهب في التسامح معهم - إزاء انتقاداتهم واستفزازاتهم ودعاياتهم المغرضة - إلى أبعد الحدود، حيث كانت مقاومتهم ومعارضتهم لدعوته لا تتعدى نطاق التسلح بالكلام والدعاية واللبس والتشويش والتكذيب. ولكن اليهود لما سلكوا في مقاومة الإسلام الطريق الآخر وهو طريق القوة، حيث بدأوا يتدرجون في هذا الطريق الخطر، مبتدئين بالتهديد بالحرب والطواف على القبائل العربية الوثنية لإثارتها وتحشيدها لحرب النبي وما حوله إغتيال الرسول - صلى الله عليه وسلم - شخصيًا سلك النبي - صلى الله عليه وسلم - في مواجهة هذا التخطيط اليهودى الجديد طريقًا آخر أكثر حزمًا وانتباهًا.
وكانت فعالية هذا الحزم والانتباه لحماية الدعوة تتطور من جانب النبي - صلى الله عليه وسلم - وتتسع بتطور إيغال اليهود وتوسعهم في ميادين المؤمرات والتكتلات التي غايتها هدم الدين الجديد والإطاحة بالنظام الذي جاء به عن طريق اللجوء ولو إلى سفك الدم، كما كشفت ذلك الأحداث فيما بعد.