لذلك فقد اضطر النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى أن يعرض على قائد غطفان وسيد فزارة عيينة بن حصن إعطاءهما ثمار خيبر، مقابل أن يلتزموا جانب الحياد في الصراع الذي سينشب، بين المسلمين واليهود، ولكن غطفان رفضت هذا العرض في حينه، ومع ذلك فقد كسب النبي المعركة وألغى الوجود اليهودى الدخيل بأكمله في خيبر والشمال كله.
والآن وقد عاد بجيشه منتصرًا من خيبر ذلك الانتصار الساحق الرئع، فشأنه شأن آخر فهو لم يعد يخشى أحدًا - لا فزارة ولا غطفان كلها - بعد أن سحق أقوى قوة عاتية في النطقة وهي عشرة آلاف مقاتل من اليهود، هزمهم وهم أهل العدة والعدد والحصون المنيعة والقلاع الشامخة .. لذلك لم يرهب - صلى الله عليه وسلم - فزارة حينما استعرضت عضلاتها وحشدت قواتها في طريق عودته، بل بعث إليها يتحدّاها ويعين مكانًا لملاقاتها فيه، فما كان منها إلا أن ولت فرارًا منه وخلت بينه وبين الطريق الذي قررت اعتراضه فيه .. فاستمر - صلى الله عليه وسلم - في تحرّكه عائدا إلى المدينة فوصلها دون أن يجرأ أحد من أعراب المناطق على اعتراضه.
[قصة الرهان الشيقة في مكة]
كان رجالات قريش (الموالون منهم والمعادون للمسلمين) ينظرون إلى نتائج معركة خيبر على أنها الفيصل القاطع في الصراع الدائر بين الكفر والإِيمان، وأنه على ضوء نتائج هذه المعركة - التي هي أعظما وأخطر معركة يخوضها المسلمون في العهد النبوى - سيتقرر المصير النهائى لكل من المعسكرين المتصارعين لا في خيبر وحدها بل في الجزيرة كلها.
لأنه لا توجد هناك في جزيرة العرب (يومها) قوة تناوئ المسلمين أعظم من يهود خيبر وحلفائهم الغطفانيين، سواء من ناحية العدد والعدة أو من ناحية متانة وحصانة القلاع والحصون التي يعتصم بها اليهود في خيبر، أو من ناحية الشجاعة وقوة البأس والشراسة في القتال التي يتميز بها يهود خيبر على جميع يهود الجزيرة كلهم.
لذلك كان أهل مكة يترقبون بحساسية بالغة واهمام شديد أنباء المعارك الدائرة في خيبر.