للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

- ٣ -

[سرية أبي قتادة إلى خضرة بنجد ... شعبان سنة ثمان للهجرة]

كانت قبائل غطفان من القبائل المعادية للإِسلام (كما تقدم) فبعث النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى منطقة خضرة من أراضيهم دورية قتال قوامها أربعة عشر رجلًا. وأمرهم أن يشنوا عليهم الغارة وكان قائد هذه الدورية أبو قتادة الأنصاري (١).

قال ابن أبي حدرد الأسلمي: فخرجنا وكنا أربعة عشر رجلًا بأبي قتادة وهو أميرنا وبعثنا (أي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى غطفان فقال: سيروا الليل واكمنوا النهار وشنوا الغارة. ولا تقتلوا النساء والصبيان. فخرجنا حتى ناحية غطفان.

وخطبنا أبو قتادة وأوصانا بتقوى الله عزَّ وجلَّ، وألف بين كل رجلين وقال: لا يفارق كل رجل زميله حتى يقتل أو يرجع إليّ فيخبرنى خبره ولا يأتنى رجل فأسأله عن صاحبه فيقول: لا علم لي به! وإذا كبَّرت فكبروا وإذا حملت فاحملوا، ولا تمعنوا في الطلب. فهجمنا على حاضر منهم عظيم، فأحاط بهم. فسمعت رجلًا يصرخ يا خضرة. وقد أتيناهم ليلًا، فجرد أبو قتادة وجردنا سيوفنا، كبَّر وكبَّرنا معه، فشددنا على الحاضر فقاتل منهم رجال، وإذا برجل طويل قد جرّد سيفه صلتا، وهو يمشى القهقرى ويقول: يا مسلم هل لك إلى الجنة! فاتبعته ثم قال: إن صاحبكم (يعني النبي - صلى الله عليه وسلم -) لذو مكيدة، وإن أمره هو الأمر. وهو يقول: الجنة الجنة - يتهكم بنا. فعرفت أنه مستقبل، فخرجت في أثره، فنادانى صاحبى: لا تبعد فقد نهانا أميرنا أن نمعن في الطلب! فأدركته فرميته على جريداء متنه (٢). ثم قال: ادن يا مسلم إلى الجنة! فرميته حتى قتلته بنبلى، ثم وقع ميتًا فأخذت سيقه، وجعل زميلى ينادينى: أين تذهب؟ إني والله


(١) انظر ترجمة أبي قتادة في كتابنا (غزوة أحد).
(٢) جريداء متنه: أي وسطه وهو موضع القفا المتجرد عن اللحم.

<<  <  ج: ص:  >  >>