كما أن الأنباط تضطرهم الظروف أحيانًا إلي مهادنة الرومان وبصورة أقرب إلى الخضوع والتبعية، وأحيانًا إلى المصادقة والتحالف والمشاركة في حروب ضد عدو مشترك.
[الرومان يزحفون إلى بطرا فيصالحهم ملكها العربي]
ففي حوالي عام ٤٧ قبل الميلاد وفي عهد ملك الأنباط (مالك الأول) تعاظم سلطان الرومان في الجهات الشمالية من الشام. فطمع قائدهم (سكورس Scaurus) فزحف بجيوش كثيفة قاصدًا إسقاط الملك النبطى (مالك الأوّل) وتدمير عاصمة ملكه بطرا (البتراء) وبقية مدنه.
فلما بلغ الملك (مالك) نبأ هذا الزحف الشامل - وكان مالك هذا حكيمًا بعيد النظر - قام بمعادلة بين قواته وبين قوات (سكورس) الروماني الزاحفة. فرأى أنَّه من الانتحار مقاومة الرومان والإِصرار على محاربتهم لأنَّ جيوش المملكة غير قادرة على مقارعة جيوش القيصر. فراسل القائد الروماني وجرت مفاوضات بين الفريقين انتهت بالصلح بين الأنباط والرومان على أن يدفع ملك الأنباط للرومان مبلغًا من المال. وتم على أثر ذلك التحالف بين الرومان والأنباط. كان موقف الأنباط في هذا التحالف (دونما شك) أشبه بموقف التابع. رغم بقاء المملكة مستقلة في البتراء.
يدلّ على هذه التبعية القائمة في صورة تحالف. أن ملك الأنباط (مالك الأوّل) شارك بقوات من جيشه جيوش يوليوس قيصر في حصارها للإسكندرية عام ٤٧ قبل الميلاد. وذلك في عهد ملكة مصر الخليعة (كلوبطره) صاحبة أنطونيو والتي قضى القيصر عليها وأزال ملكها.
الرومان يطيحون نهائيًا بمملكة الأنباط
ورغم ما يبديه الرومان من صداقة لملوك الأنباط. فإن أطماعهم في السيطرة على مملكة البتراء العربية ظلت كامنة في نفوسهم. فظلوا لذلك يتحينون الفرص لإِزالة هذه المملكة العظيمة من الوجود. فكانوا يفشلون في كل محاولة يقومون بها لتحقيق أطماعهم. بسبب تماسك الأنباط وقوة شكيمتهم لكون الروح البدوية القتالية في نفوسهم متأصلة باقية، والبادية في كل زمان ومكان يكونون أشد الناس صبرًا على القتال وحفاظًا على الكرامة.