للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بمنزلة مشفر البعير، فمكثنا على ذلك حتى قال قائلهم: لو لقينا عدوًا ما كان بنا حركة إليه، لما بالناس من الجهد (١).

[الكرم الأنصاري.]

وفي هذه الغزوة التي أشرف فيها الجيش على الهلاك من الجوع. تجلى الكرم الأنصاري الذي خلد الله تعالى ذكر أصحابه بقوله: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ}.

فقد كان ضمن جنود هذه الحملة. قيس بن سعد بن عبادة سيد الخزرج. والمشهور بالكرم في الجاهلية والإِسلام.

فعندما رأى قيس بن سعد (وكان شابًّا يافعًا لا مال له) ما أصاب رجال السرية من جوع. ذهب إلى أحد الأعراب من فخيذة جُهنية موادعة للمسلمين. وطلب منه أن يبيعه عددًا من الجمال لينحرها للجيش على أن يدفع ثمنها للأعرابي تمرًا في المدينة. فقال الجهني لقيس بن سعد: والله ما أعرفك ومن أنت؟ .

قال: أنا قيس بن سعد بن عبادة بن دليم. قال الجهني: ما أعرفتنى بنسبك. أما إنَّ بيني وبين سعد خلة، سيد أهل يثرب. فابتاع منه خمس جزر. كل جزور بوسقين من تمر. يشرط عليه البدوى، تمر ذخيرة مصلبة (٢). من تمر آل دليم. قال يقول قيس: نعم. فقال الجهني: فاشهد لي. فأشهد له نفرًا من الأنصار ومعهم نفر من المهاجرين. فقال قيس: أشهد من تحب. فكان فيمن أشهد عمر بن الخطاب، فقال عمر: لا أشهد. هذا يُدان ولا مال له، إنما المال لأبيه. قال الجهني. والله ما كان سعد ليخنى (٣) بابنه في سِقة من تمر! وأرى وجهًا حسنًا وفعالًا شريفًا. فأخذ قيس الجزر فنحرها في مواطن ثلاثة، فلما كان اليوم الرابع نهاه أميره وقال: تُريد أن تخفر


(١) مغازي الواقدي ج ٢ ص ٧٧٥.
(٢) مصلبة: أي يابسة.
(٣) أخنى عليه: أي خفر ذمته كذا قال في النهاية لابن الأثير ج ٢ ص ٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>