الصلح انتهت تلك الحروب الضارية التي خاضها الفريقان وارتكبوها في الأشهر الحرم التي أجمع العرب منذ آلاف السنين على تحريم سفك الدم فيها مهما كانت المبررات، ولذلك سميت (حرب الفِجار)، ومن الشخصيات البارزة التي قتلت في هذه المعارك .. من قريش أبو سفيان بن أمية بن عبد شمس عم أبي سفيان بن حرب، والعوام بن خويلد أبو الزبير بن العوام، وأخوه حزام بن خويلد، وأحيحة بن أبي أحيحة العبشمى ومعمَّر بن حبيب الجُمَحى، كما جرح حرب بن أمية أبو أبي سفيان بن حرب.
ومن هوازن قتل (الصمّة) أبو دريد بن الصمّة الشاعر والفارس المشهور. ويذكر المؤرخون أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - شهد حروب الفجار وهو دون العشرين وكان يناول أعمامه وأهله النبل في القتال، ويقال: إنه - صلى الله عليه وسلم - طعن أبا براء ملاعب الأسنة، وسئل - صلى الله عليه وسلم - عن مشهده يومئذ فقال: ما سرنى أنى أشهده، إنهم تعدوا على قومى، عرضوا عليهم أن يدفعوا البراض صاجهم فأبوا (١) هذه هي خلاصة حرب الفجار بين هوازن وقريش.
[نظرة العرب إلى قريش]
كان العرب الوثنيون ينظرون إلى قريش نظرة تهيب مشوبة بالكثير من التبجيل والإكبار، باعتبارها من الناحية الدينية سادنة الكعبة (البيت المعظم عند كافة العرب) الختصة دون سائر العرب بحراسة الحرم وسقاية الحاج واستضافته.
فهي من الناحية الدينية الأب الروحى لجميع قبائل العرب الوثنية.
هذا من جهة، ومن جهة أخرى، ينظر العرب الوثنيون إلى قريش نفس النظرة، باعتبارها النموذج الوحيد للوحدة والتماسك واتحاد الكلمة.
حيث كانت الجيل الوحيد بين العرب الذي يعيش (رغم تعدد عشائره) في ظل وحدة سياسية، وترابط اجتماعى مكين، ووحدة عسكرية متماسكة كل التماسك. كل ذلك تحت قيادة جماعية منسقة وموزعة توزيعًا محكمًا يدل على عراقة في السياسة وبعد النظر وحظ وافر في التحضر والوعى بالقياس إلى بقية قبائل
(١) انظر سيرة ابن هشام ج ١ ص ١٩٥ والأغانى ج ١٩ ص ٧٣ وما بعدها طبعة بولاق.