والنضر بن الحارث، وعقبة بن أَبي معيط، هما الأَسيران الوحيدان اللذان قتلا صبرًا من بين أَسرى بدر. وكان هذان الرجلان من أَشد عباد الله كفرًا وعنادًا وبغيًا وحسدًا وكانا من أكبر دعاة الحرب ومثيرها ضد الإسلام، والمتربصين بالرسول الدوائر، وبقاؤهما مصدر خطر كبير على الإسلام، لا سيما في تلك الظروف الحربية التي تجتازها دعوة محمد - صلى الله عليه وسلم - فهما إذن من مجرمي الحرب الذين لو أُطلق سراحهم لما تورعوا عن سلوك أَي طريق فيه تدمير لمحمد وأَصحابه ونسف لدعوتهم، ولا أدل على ذلك مما كانا يرتكبانه من إهانات وتنكيل في حق محمد - صلى الله عليه وسلم - وهو أعزل آمن في مكة.
فقتلهما (إذن) ضرورة تحتمها مصلحة دعوة الإِسلام الفتية، لا سيما وأَنهما من أَكبر مجرمي الحرب المسؤولين عن إشعال نيران معركة بدر التي خاضتها قريش بغيًا وعدوانًا، وما كانت لتخوضها لولا عناد أَمثال هذين الزعيمين المجرمين اللذين وأَمثالهما ساقا مكة إلى الحرب قسرًا بدافع الحقد على الإسلام. وإذا كان الرسول قد قتل هذين الأسيرين العريقين في الإِجرام فقط، وقبل الفداء عن غيرهما من الأَسرى ومنّ على البعض الآخر، فإِن القرآن قد نزل بالعتاب على إطلاق سراح الأَسرى الذي تم إما بالمنِّ وإما بالفداء، فقد كان القرآن يحبذ الإِثخان في هؤلاء الأسرى ويفضل القتل على قبول الفداء.
وقد جاء هذا العتاب صريحًا في قوله تعالى {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٦٧) لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} (١).