الجيش النبوى الزاحف لأن التخلى عن فكرة هذه المقاومة قد تقرر في آخر جلسة عقدها برلمان مكة، الذي أوفد أبا سفيان في تلك الساعات من الليل ليتحسس أخبار النبي - صلى الله عليه وسلم - وجيشه.
[أبو سفيان يطلب المشورة من العباس]
ولما كان أبو سفيان لم يخرج في تلك الليلة إلا ليسعى جاهدًا لتجنيب قريش هذا الخطر المتمثل في عشرة آلاف من جند المسلمين يتأهبون لاجتياح مكة. فقد طلب أبو سفيان من صديقه العباس أن يدله على أسلم الطرق التي تضمن لقريش حقن دمائها، فيسلكه.
وقد أشار العباس على أبي سفيان بأن يقابل الرسول - صلى الله عليه وسلم - شخصيًا. فيطلب منه الأمان لأهل مكة. فإنه إن فعل أجابه الرسول - صلى الله عليه وسلم -. لأنه لا يكره شيئًا كرهه لسفك الدماء "ما وجد إلى حقنها سبيلًا".
فقد قال أبو سفيان للعباس - والقلق يأخذ منه كل مأخذ - فما تأمرنى؟ .
فقال العباس: تركب عجز هذه البغلة، فأستأمن لك رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فوالله لئن ظفر بك ليضربن عنقك (١).
فلم يتردد أبو سفيان في الموافقة على هذا الاقتراح لأنه ما كان يطمع في أكثر من النجاح في مقابلة الرسول - صلى الله عليه وسلم - والحصول منه على الأمان.
بل لقد اعتبر أبو سفيان التقاءه بالعباس - وهو عم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في تلك الساعات المصيرية الحاسمة في تاريخ قريش من أثمن الفرص التي كان يسعى جاهدًا للظفر بأمثالها لإِنقاذ مكة وأهلها بن خطر الإِبادة التي كانت
(١) وجاء في السيرة الحلبية (ج ٢ ص ٢٠٣) أن وحدة من الحرس كان يقودها عمر بن الخطاب ليلة فتح مكة اعتقلت أبا سفيان بن حرب، وقالوا لابن خطاب: جئناك بنفر من أهل مكة. فقال عمر، وهو يضحك: والله لو جئتمونى بأبي سفيان ما زدتم. فقالوا: والله أتيناك بأبي سفيان: فقال: احبسوه حتى أصبح، وهذا يعني (إن صح) أن العباس أجار أبا سفيان بعد أن استنقذه من يد وحدة الحرس التي تحت قيادة ابن الخطاب ثم أجاره.