للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عمه أبي طالب فردوا عليه قوله وكذبوه، فرجع مهمومًا، فلم يستفق إلا عند قرن الثعالب (١) فإذا هو بغمامة فيها جبريل، فناداه ملك الجبال. فقال: يا محمد إن ربك يقرأ عليك السلام، وقد سمع قول قومك لك وما ردوا عليك، فإن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: بل استأنى بهم لعل الله أن يخرج من أصلابهم من يعبده وحده لا يشرك به شيئًا.

فناسب قوله: بل استأنى بهم أن لا يفتع حصنهم لئلا يقتلوا عن آخرهم وأن يؤخر الفتح ليقدموا بعد ذلك مسلمين في رمضان من العام المقبل (أي عام تسع للهجرة). وهو العام الذي وفد فيه سادات ثقيف إلى المدينة فأعلنوا إسلامهم وإسلام ثقيف. وسياق الإمام أبي داود في صحيحه يدل على أنهم إنما وفدوا بعد أن حل بساحتهم صخر أبو العيلة وقومه الأحمس من بجيلة ولم يفك الحصار عنهم حتى نزلوا على حكم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأتى بهم المدينة فأسلموا، فأحرزوا دماءهم وأموالهم وصاروا قوة للإِسلام والله أعلم.

[الغنائم والسبي في الجعرانة]

كان المسلمون قد غنموا بعد انتصارهم في موقعة حنين غنائم عظيمة بلغت من الماشية وحدها (وهي أغلى ما يملك العرب في ذلك العصر) خمسة وعشرين ألف بعير وأربعين ألف شاة وشيئًا عظيم من الفضة، كما وقع في يد الجيش الإِسلامي ستة آلاف من السبى نساءًا وأطفالًا.

وكان هؤلاء السبى الذين أصبحوا مماليك الجيش الإسلامي كما هي شرعة الحرب في الإِسلام، والتي لم ير هذا الدين مناصًا من العمل بها كإجراء حربى مقابل، لأن رقيق الحرب عملة عالمية يتعامل بها كل المحاربين في العالم آن ذاك (٢) كان كل هؤلاء السبى من هوازن وهم أخواك الرسول - صلى الله عليه وسلم - من الرضاعة، وقد حررهم جميعًا كما سيأتي تفصيله فيما يلي في هذا البحث.

وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد انتصاره في معركة حنين. وحين قرر أن يطارد أهم أجنحة هوازن المنهزمة الطائف وهي ثقيف - أمر بالتحفظ على الغنائم


(١) قرن الثعالب هو قرن المنازل.
(٢) انظر تفاصيل موقف الإسلام من الرق في كتابنا (غزوة بني قريظة).

<<  <  ج: ص:  >  >>