ابن جعشم (١) جالسًا في نادى قومه بمكة - وقد سكن الناس وتوقف البحث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - إذ وقف رجل على القوم في ناديهم وقال: والله لقد رأَيت ركبة ثلاثة مروا على آنفًا، إِني لأَراهم محمدًا وأصحابه.
وهنا أَشار سراقة بعينه إلى الرجل أن اسكت، ثم قال سراقة - ليضلل الحاضرين ويفوز هو بالمكافأَة الضخمة - إنما هم بنو فلان يبتغون ضالة لهم، وبعد أن تغيَّر الحديث في النادى انسحب سراقة بن مالك، وذهب إلى بيته في الحال فأَمر بفرسه فأْسرج له، ثم أمر أَحد مواليه بأَن يربطه له في الوادي في مكان عيَّنه له، ثم أَخذ سلاحه وخرج من باب خلفي في بيته لئلا يراه أَحد، ثم امتطى صهوة جواده وأركضه في اتجاه المكان الذي ذكر الرجل أَنه رأَي فيه النبي ليعتقل النبي أو يقتله، ليفوز بالجائزة من قريش وحده.
[أراد قتله فأخذ منه الأمان]
ولم يخب ظن سراقة، فقد أدرك النبي - صلى الله عليه وسلم - وصاحبه حوالي المنطقة التي أَشار إليها الرجل الذي أخبر خبرهما، وعندما أَبصر سراقة النبي - صلى الله عليه وسلم - وصاحبه، سال لعابه للمكافأَة الضخمة التي تعهَّدت قريش بإعطائها لمن أعاد إليها محمدًا - صلى الله عليه وسلم - حيًّا أو ميتًا، وهنا استعد سراقة للحظة الحاسمة، فإذا وجد النبي - صلى الله عليه وسلم - منه قيد البصر دفع جواده نحوه ليعتقله أو يقتله، ولكن الجواد (وعلى مقربة من الرسول وصاحبه) كبا براكبه كبوة عنيفة تدحرج لها الفارس من على ظهره، وهنا أدخل
(١) هو سراقة بن مالك بن جعشم الكناني أسلم عام الفتح، وهو من سادات كنانة، مات رضي الله عنه في خلافة عثمان سنة أربع وعشرين هـ.