وقبل اختتام الحديث عن صلح الحديبية ولما لهذه القضية التاريخية من أَثر مصيري في تاريخ الإسلام، فإِنه يجدر بنا أَن نشير إلى ما يمكن أَن يكون دروسًا يستفيد منها في دينه ودنياه كل من ينظر فيها ويعيها كما يجب.
فقد تلقى الصحابة عن الرسول الأَعظم - صلى الله عليه وسلم - ضمن تصرفاته في قضية الحديبية المعقدّة - دروسًا في الحكمة والحلم والصبر وضبط النفس والسياسة الصائبة وبُعد النظر، والوفاء بالعهد والحيطة والحزم والحذر والتسامح والشورى وعدم الاستبداد مع احترام المعارضة.
إنها دروس لعمر والله جديرة بأَن يتدبرها ويعيها ويسير على ضوئها الرادة والقادة من أُمّة الإسلام، في معالجة المشاكل ومواجهة الأَزمات وحل المشكلات.
١ - الحيطة والحذر:
ولعل أَول درس تعلمه الصحابة من النبي - صلى الله عليه وسلم - في هذه القضية هو الحيطة والحذر، فبالرغم من أَنه - صلى الله عليه وسلم - قد خرج معتمرًا لا يريد حربًا، وبالرغم من إعلانه ذلك لئلا تظن قريش أَنه يريد غزوها، وبالرغم من أَنه وعامة أَصحابه قد تجردوا من كل مخيط وارتدوا لباس الإِحرام بالعمرة، فقد قدم بين يديه طلائع من الفرسان بقيادة عبّاد بن بشر حسبانًا للطوارئ وللقيام بأَعمال الاستكشاف؛ كما زود أَصحابه بكافة الأَسلحة اللازمة.