وما قبول قريش بدخول النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه مكة معتمرين على تلك الصورة المذلة لكبرياء الوثنية. واضطرارها إلى اللجوء إلى رؤوس الجبال والاعتصام بها طيلة الأيام الثلاثة التي أقامها المسلمون بمكة. إلا المسمار قبل الأخير في نعش الوثنية التي كان دخول النبي - صلى الله عليه وسلم - في عشرة آلاف من أصحابه مكة فاتحين. بعد ثمانية أشهر فقط من تاريخ هذه العمرة -هو المسمار الأخير في نعش هذه الوثنية حيث- بتحرير الجيش النبوى لمكة -أهيل التراب. نهائيًا. على خرافة الشرك والشركاء التي ظلت تتحكم في العقول بمكة حول الكعبة أكثر من أربعة آلاف سنة.
يوم حاسم في تاريخ الإِسلام
إن يوم دخول النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه الكرام مكة لعمرة القضاء. هو بحق يوم حاسم في تاريخ الإِسلام، لأنه يوم انتصف فيه المسلمون من المشركين الذين ظلوا طيلة أكثر من سبع سنوات يصرون على حرمان المسلمين (دون سائر العرب) من الطواف بالبيت والسعى بين الصفا والمروة بغيًا وعدوانًا.
سلوك المسلمين الذي أدهش قريشًا
وزاد من روعة ذلك اليوم الأغر في تاريخ الإِسلام. وأثار أكثر من سؤال في نفوس العقلاء من قريش. ذلك السلوك المدهش الرفيع الذي بدا على أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - والمتمثل في ذلك النظام الرائع الذي كان عليه هؤلاء الأصحاب وتلك الوحدة التماسكة المكينة التي انتظم عقدها في سلك التوحيد. فلم يكن بينهم وهم يحيطون بنبيهم العظيم سائرين في اتجاه المسجد الحرام. أي أثر لفوضى الوثنية وعنجهية الجاهلية وخفة واستخفاف القبلية التي عرف بها العرب قبل أن يكرمهم الله بالإِسلام.
لقد أحال الدين الحنيف الذي اعتقدوه فوضاهم إلى نظام وانضباط. وشتاتهم إلى وحدة. وتباغضهم إلى تسامح وتآخى. فها هم يسيرون خلف نبيهم العظيم. وكأنهم أسرة واحدة. لا بغضاء ولا شحناء. ولا حقد ولا ضغينة .. بل محبة وإخاء .. وتعاضد وصفاء ..