وكان (حتى تاريخ تلك المؤامرة) يوجد بين النبي - صلى الله عليه وسلم - ويهود بني النضير عهد تحالف ومعاهدة عدم اعتداء واتفاق تعايش سلمى حافظ المسلمون عليها كل المحافظة وطبقها النبي - صلى الله عليه وسلم - في معاملته لهؤلاء اليهود نصًّا وروحًا.
غير أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد اكتشافه تلك المؤامرة اليهودية تأكد لديه أنه من المستحيل الركون إلى هؤلاء اليهود والتعايش معهم أو الوثوق بما أعطوا من عهود ومواثيق لأنه بات واضحًا (على ضوء التجارب العملية) أن هؤلاء اليهود لا يتمسكون بالعهود والمواثيق التي يبرمونها مع غيرهم إلا عندما تكون في صالحهم وأنهم لا يتورعون عن خرقها والتنكر لها عندما يرون أن ذلك يعود عليهم بالنفع ويكون في مقدورهم الإقدام عليه، كما فعلوا عندما ظنوا أن الفرصة قد واتتهم للغدر بالنبي - صلى الله عليه وسلم - وقتله بين منازلهم غِيلة بالرغم من المعاهدة القائمة بينه وبينهم والتي اعتمادًا عليها وفي ظلها جاء - صلى الله عليه وسلم - إلى منازل هؤلاء اليهود آمنًا أعزلا من السلاح لأن من طبيعة العرب (حتى في جاهليتهم) الوفاء بالعهد واعتبار الإخلال بالعهد سُبَّة خالدة يأنف العرب من التلوث بأرجاسها .. ولكنهم اليهود، يضعون العهود والمواثيق تحت أقدامهم عندما يرون أنهم لم يعودوا بحاجة إليها.
وقد اعتبر النبي - صلى الله عليه وسلم - تلك المحاولة الخطيرة التي قام بها يهود بني النضير لقتله بين منازلهم في ظل المعاهدة القائمة بين الفريقين اعتبر تلك المحاولة عملا ناسفًا لمعاهدة التحالف واتفاقية عدم الاعتداء القائمة بين المسلمين وهؤلاء اليهود، فأرسل في الحال إنذارًا إلى هؤلاء اليهود خاصة بأن يغادروا المدينة في خلال عشرة أيام فقط وأنهم إن لم يخرجوا من المدينة فإنه سيلجأ إلى محاربتهم كأعداء حربيين لا عهد لهم ولا ذمة بعد الذي أقدموا عليه من محاولة اغتياله بين منازلهم.
ولم يحاول يهود بني النضير نفى التهمة الموجهة إليهم لأنها أقوى من أن تقبل النفي، ولم يقدّموا أي اعتذار عما بدر منهم من خيانة وغدر، بل قبلوا (في أول الأمر) الإنذار واعتزموا مغادرة المدينة لولا أن رأس النفاق