للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[قلق الملك هرقل]

لقد عاش الملك هرقل أيامًا قلقة، بعد تلقيه خطاب النبي - صلى الله عليه وسلم - الذي يدعوه فيه إلى الإِسلام.

وزاده قلقًا وحيرة واضطرابًا أن رفض أركان دولته وزعماء الكنيسة دعوته إياهم إلى الدخول في الإِسلام، بل وحاول قادة جيشه عندما كان في حِمص القيام بانقلاب مسلح للإِطاحة به لإِظهاره الميل والرغبة إلى أن يدخل شعبه في دين الإِسلام حيث نادى مناديه في حمص .. (ألا إن هرقل قد آمن بمحمد واتبعه) (١). فأخفى ما كان قد أظهر. وطمأن القوات السلحة التي حاولت الإِطاحة به وطوقت قصره. بأنه (كما تقدم) إنما أراد بما تظاهر به من الإِيمان بمحمد واتباعه اختبار صلابتهم في التمسك بالنصرانية .. (٢).

[التناقضات المتصارعة بنفس هرقل]

مما لا شك فيه أن الإِمبراطور هرقل (منذ تلقى كتاب الرسول - صلى الله عليه وسلم - الذي يدعوه وشعبه إلى الدخول في الإِسلام) قد صار عرضة لتيارين شديدين متناقضين داخل أعماق نفسه.

عامل الإستجابة لصوت الحق الذي يهتف به في أعماق نفسه بأن يؤمن بالنبي - صلى الله عليه وسلم - ويتبعه لأنه بات على ثقة بأنه النبي المنتظر الذي يجدونه مكتوبًا عندهم في الإِنجيل (٣).

وعامل الحفاظ على عرش الإِمبراطورية الذي يتطلب بقاؤه عليه متربعًا، التمسك بالنصرانية بل والإِخلاص لها، فالرومان لن يرضوا (مطلقًا) أن يكون على عرش إمبراطوريتهم ملك غير مسيحي.

وتفيد تقارير أصحاب السير والتواريخ (بالإِجماع) أن العاملين كانا في


(١) السيرة الحلبية ج ٢ ص ٣٦٧.
(٢) انظر جوامع السيرة، والبداية والنهاية ج ٤ ص ٣٦٦ وتاريخ الطبري ج ٢ ص ٦٥٠ وزاد المعاد ج ٤ ص ١٢٦.
(٣) قال ابن برهان الدين في السيرة الحلبية ج ٢ ص ٣٦٧ .. (فقال قيصر لقومه: يا قوم ألستم تعلمون أن بين يدي الساعة نبيًّا بشركم به عيسى بن مريم ترجون أن يجعله الله فيكم؟ قالوا: بلى. قال: فإن الله قد جعله في غيركم، وهي رحمة الله عزَّ وجلَّ يضعها حيث يشاء).

<<  <  ج: ص:  >  >>