وبينما أساطين الكفر في مكة فريسة لهذه التصورات السوداء المخيفة التي كانت كابوسًا ملازمًا لا يفارقهم في منام أو يقظة، كان رسول الرحمة يفكر تفكيراته النبوية النبيلة المشرقة، كان يعد العدة ويضع الترتيبات لتكون مكة "عند سيطرة الجيش النبوي عليها" على غير الصورة المزعجة المخيفة التي تصورت قريش وخافت أن تكون عليها مكة عندما يسيطر عليها الجيش الإِسلامي.
كان نبي المحبة ورسول الرحمة والتسامح أشد حرصًا من أهل مكة أنفسهم، على أن تتجنب هذه المدينة المقدسة ويلات الحرب ومآسى المعارك، لأنها مدينة مقدسة، مطلوب فيها التنزه عن سفك الدماء قدر الإِمكان.
ثم إن أهل مكة أنفسهم، هم أهل محمد وعشيرته، ورغم ما ناله ونال أصحابه على أيديهم من صنوف الأذى والإِرهاب، والتنكيل في مكة نفسها أيام بدء الإِسلام وقلة المناصرين. ورغم المحاولات الحاقدة التي قام بها هؤلاء الأهل للقضاء على الإِسلام وإبادة المسلمين عن طريق تجريد الجيوش وتحريض مختلف العناصر والفئات المعادية للإِسلام للقضاء عليه كما حدث في (أُحد) وعلى مشارف الخندق ... رغم كل هذه الجرائر والآثام التي اقترفها هؤلاء الأهل والعشيرة من أهل مكة، فإن ابنهم البار الذي يجر وراءه عشرة آلاف مقاتل قادرين على إبادة كل إنسان في مكة خلال ساعات قلائل، لم تجد الضغينة والرغبة في الانتصار والانتقام للنفس أي سبيل إلى قلبه الكبير الطاهر طيلة حياته.
ولهذا فإنه (وكما دلت تصرفاته النبيلة) كان حريصًا كل الحرص على أن ينعم كل أهل مكة المغلوبين بالأمن والأمان والاطمئنان على أرواحهما وممتلكاتهم عندما يدخل جيشه مكة فاتحًا ومنقذًا ومحررًا.
ولم لا؟ أليس هو الذي كان يدعو لقومه بالخير، والدماء تسيل على