فكم هي إذن الضحايا بين العشائر الأخرى من هوازن؟ لا شك أنها تعد بالمئات أيضًا، وهذا غير مستغرب، لأن طبيعة المعركة تفرض أن تكون الضحايا كثيرة جدًّا، لأنها معركة لم يدر مثلها (بعد مؤتة) في الضراوة والشراسة والعنف حيث صبر الفريقان فيها صبرًا عظيمًا كما تقدم وصفه في هذا البحث.
[تعليق على عدد القتلى المسلمين]
وإذا كان يستشف من حديث أصحاب السير والمغازى أن هوازن قد فقدت (تقريبًا) أكثر من ألف قتيل، فإن أصحاب السير، المغازي هؤلاء قد وضعوا جدولًا لقتلى المسلمين لم يذكروا فيه (كما تقدم) أكثر من أربعة شهداء، ونحن -واستنادًا إلى نظرية فيلسوف التاريخ الإِمام ابن خلدون الذي ذكرها في مقدمته- نرى أن هذا العدد (بالنسبة لمستوي المعركة الضارية قليل) فنقول:
مما لا جدال فيه ولا اختلاف بين أصحاب السير والمغازى أن معركة حنين هي (بعد معركة مؤتة) أعنف معركة يخوضها الجيش النبوي، وقد شهد بذلك الصادق المصدوق النبي - صلى الله عليه وسلم - حين قال -بعد أن عاد المنهزمون المسلمون إلى الميدان: الآن سمى الوطيس، وهذا قول يصوِّر شدة القتال وضراوته، وهو قول، لم يقل الرسول - صلى الله عليه وسلم - مثله في وصف أية معركة من المعارك التي خاضها طيلة حياته .. قول يجسد ويصوِّر صبر الفريقين في القتال العنيف الضارى، لأن الوطيس في القتال لا يحمى إلا إذا تصافح المحاربون بالسيوف وتداسروا بالرماح وتراشقوا بالنبل على أعلى مستؤيات القتال في ثبات وصبر وعناد.
وهوازن قبيلة محاربة على مستوى ممتاز وقواتها المشتركة في المعركة قوات كثيفة حددها المؤرخون بعشرين ألف مقاتل، كما أن هذه القوات الكثيفة كانت تحت قيادة ملك فتى باسل هو في القمة من حيث الشجاعة والخبرة بالحرب وأساليبها، وكان جيشه الكثيف شديد الانضباط، إلى درجة رأينا معها كيف أطاع عامة الجيش وسمعوا لقائدهم الشاب، رغم الغلطة التعبوية التي ارتكبها، والمتمثلة في إجبار جند هوازن على أن يصطحبوا معهم إلى ميدان القتال النساء