والأطفال والأموال، وهي الغلطة التي نبه المحارب المجرب دريد بن الصمَّة الجشمى القائد مالكًا إليها وطالبه بشدة أن يتراجع عنها. فرفض استنادًا إلى ما ترسخ في اعتقاده أن ما أقدم عليه بهذا الشأن سيكون من أكبر الحوافز للجند على الثبات وعدم التفكير في الهرب. وفعلًا ثبت جند هوازن حتى فقدوا (وهم صابرون) ما لا يقل عن ألف قتيل في تقديرنا استنادًا إلى إشارات أصحاب المغازي والسير.
ثم إننا (كما شهد المؤرخون أنفسهم) رأينا كيف نزلت الهزيمة المروِّعة بجيش الإِسلام في المرحلة الأولى من المعركة حتى وصلت طلائعه المنهزمة قريبًا من مكة، والمنهزم الهارب يكون القتل فيه كثيرًا دونما جدال، لا سيما إذا كان عدوّه المنتصر يطارده لينزل به أكبر خسارة ممكنة في الأرواح، وهو ما فعلته هوازن المنتصرة (بشهادة أصحاب المغازي والسير) في أول المعركة، وكانت هوازن عشرين ألفًا والمسلمون اثنى عشر ألفًا.
يضاف إلى ذلك (وهو الأهم) نجاح كمائن هوازن في هجومها الصاعق على المسلمين، فقد انقضت الكمائن بأسلوب صاعق مباغت عند الفجر على الجيش النبوي وهاجمته بمختلف الأسلحة بما في ذلك الخيل، كما قصف رجال الكمائن الهوازنية المسلمين من مختلف الجهات بوابل من النبال وصفها بعض المؤرخين لكثافتها كأنما أرجال الجراد. وهذه النبال لا بد وأن تصيب مقاتل كثير من الذين تعرَّضوا لها لاسيما وأنهم كانوا مكشوفين لرماة النبل الذين كانوا يتربصونهم وراء التلال دون أن يعلموا عنهم شيئًا.
وقد رأينا -أثناء حصار الطائف- كيف قُتل أربعة عشر من المسلمين بنبال الثقفيين الذين كانوا في حصونهم، رغم أن المسلمين كانوا على استعداد وحذر، وكانوا بعيدين عن مرمى النبال ومستترين بمختلف، الآلات والوسائل.
فكيف إذن (ومع كل الذي أوضحناه) يكون كل قتلى المسلمين في معركة حنين من أولها إلى آخرها أربعة قتلى فقط؟ .
إن الذي نراه (وهذا مجرد استنتاج وتقييم) أن شهداء المسلمين في معركة حنين أكثر بكثير من الذي ذكره الواقدي وابن إسحاق والطبرى، ولا ندرى (طبعًا) بالتحديد كم هم عدد الشهداء الذين نعتقد أنهم سقطوا في ميدان