الشرف بحنين، ولكنهم (في نظرنا) يبلغون المئات، وهو عدد لا بد وأن يسلم به كل خبير عسكرى درس وصف المؤرخين لمراحل معركة حنين الطاحنة.
ونحن بهذا لا نتهم الأئمة الأعلام من أصحاب السير والمغازى بإخفاء الحقائق، كلا وألف كلا. بل نؤكد أنهم مثال النزاهة والأمانة والصدق، فهم (كما ذكرنا في كتابنا غزوة مؤتة) أمناء ثقات يقدِّرون مسؤولية ما يكتبون لمن بعدهم من الأجيال، وانطلاقًا من قاعدة الأمانة في النقل التي التزموها لم يذكروا من شهداء معركة حنين إلا ما وصل إلى علمهم عن طريق الثقات، وهم أربعة شهداء فقط.
ولكن هؤلاء المؤرخون الأعلام أثبتوا بالتفصيل ضراوة المعركة وشدتها وطول وقتها وذكروا ما يشير إلى أن قتلى المشركين بلغوا المئات دون أن يضعوا جدولًا سوى لأسماء أربعة منهم على رأسهما قائد قوات ثقيف عبد الله بن عثمان.
ثم إننا (مع ترجيحنا القوى بأن قتلى المسلمين في حنين قد وصلوا المئات) وترجيحنا هذا مبنى على ما درسناه من مراحل القتال الشرس والضارى ابتداء من انهزام إثنى عشر ألف مقاتل (أول الأمر) وهم المسلمون وملاحقة عشرين ألف مقاتل لهم يخبطونهما بالسيوف ويطعنونهما بالرماح ويرمونهم بالنبال، وهم المشركون، مدة من الزمن، ثم رجوع المنهزمين المسلمين والتحامهم مع المنتصرين المشركين في قتال شرس ضار لم يصف الرسول مثله في الضراوة بسبب صبر الفريقين وذلك بقوله - صلى الله عليه وسلم -: "الآن حمى الوطيس". إننا مع ترجيحنا هذا نعتز بنزاهة وأمانة أئمتنا المؤرخين الأعلام الذين لم يكتبوا لنا في مؤلفاتهم إلا أسماء ما وصل إلى علمهم من شهداء المسلمين وهم أربعة .. كما لم يذكروا أيضًا إلا أربعة فقط من القتلى وكلهم من ثقيف.
ثم إن عدم حصول أئمة المغازي والسير على أعداد تفصيلية أو إجمالية لعدد شهداء المسلمين في معركة حنين وفي غيرها مثل معركة مؤتة (وهي في نظرنا أعداد كثيرة) يرجع إلى عدة أمور.
١ - أنه لم يكن هناك (لا في قيادات المسلمين ولا في قيادات المشركين) قسم إدارى مهمته إحصاء القتلى وتقديم قوائم بأسمائهم كما هو النظام السائد في الجيوش العصرية.